هو ناصيف بن عبد الله بن جنبلاط اليازجي، ولد عام ١٨٠٠ في قرية كفرشيما في لبنان. كانت أسرته في بداية القرن السابع عشر تقطن قرى حوران فهاجر أفراد منها إلى مدينة حمص وراحوا يكتبون للولاة والحكام فأطلق عليهم اسم الكاتب وهو بالتركية (اليازجي) . وفي أواخر القرن السابع عشر هاجر أفراد من هذه الأسرة الكبيرة إلى غربي لبنان وعلى رأسهم (سعد اليازجي) ، فأصبح كاتباً للأمير (أحمد المعني) آخر حاكم للبنان من المعنيين، ونال حظوة عنده فلقبه (بالشيخ) لوجاهته وعلمه، وأصبح هذه اللقب يدور مع أفراد الأسرة. خلال القرن الثامن عشر كتب آل اليازجي للأمراء الأرسلانيين والشهابيين. وكان عبد الله اليازجي والد ناصيف كاتباً للأمير حيدر الشهابي في قرية كفرشيما، كما كان طبيباً على مذهب ابن سينا، وكان يحب الأدب ويميل إليه.
تلقى الشيخ ناصيف اليازجي علومه الأولية على أبيه وأنهاها على راهب ماروني، إلى جانب مطالعاته الوافرة لعظيم الكتب، فجمع بذلك الصرف والنحو والبيان واللغة والشعر، وأتقن المنطق وتم له اطلاع واسع على الطب والفلسفة والموسيقى والفقه، وقد ألف في تلك العلوم جميعاً ما عدا القفه احترماً وتهيباً، وهو إلى هذا شاعر زجال، نظم الأزجال عفو الخاطر في صباه، وفاق من تقدمه في نظم الشعر التاريخي على حساب الجمل، ولم يبزه في ذلك إلا الشيخ عبد الله البستاني.
تألق نجم الشيخ ناصيف وهو بعد في السادسة عشرة من عمره بما كان ينظمه، وعني بالخط عناية خاصة فجوده وبرع به، فوصل خبره إلى البطريك أغناطيوس فدعاه ليكتب له في دير (القرقفة) الواقع على هضبة من هضبات كفرشيما، فبقي عنده مدة سنتين رجع بعدها إلى قريته ليواصل الدرس والمطالعة وقرض الشعر. وترامت شهرته في أنحاء لبنان فاستدناه الأمير بشير الشهابي الكبير حاكم لبنان وجعله من كتاب ديوانه، وراح اليازجي ينظم في الأمير شعراً كثيراً، تلقفته الأيدي وأحبته الأسماع، وأذاعت شهرته وصيته، فاكتسب بذلك رضى الأمير وعطفه، وأتاح له ذلك الاتصال بوزراء الدولة وعلماء ذلك العصر وأعيان البلاد.
عاد اليازجي إلى بيروت عام ١٨٤٠ بعد أن أُرغم الأمير الشهابي على مغادرة البلاد، فاتصل بالمرسلين الأمريكيين يصحح مطبوعاتهم ولاسيما الكتاب المقدس الذي كان باشر بترجمته الدكتور عال سميث ودخل عضواً في الجمعية السورية وهي إذ ذاك أشبه ما تكون بمجمع علمي، فالتف حوله الكثير ليفيدوا من معرفته المدهشة للعربية ومن ثقافته الواسعة في النحو والبيان، فتتلمذوا عليه وجعله الأمريكان أستاذاً في مدارسهم وسار ذكره في البلاد العربية قاطبة وراسله كبار الشعراء.