الشيخ حسنين محمد مخلوف
(١٣٠٧ - ١٤١٠هـ- = ١٨٩٠ - ١٩٩٠م)
المولد والنشأة
ولد "حسنين محمد مخلوف" في حي باب الفتوح بالقاهرة في (١٦ من رمضان ١٣٠٧هـ- = ٦ من مايو ١٨٩٠م) ونشأ في بيت علم وفضل، فأبوه الشيخ "محمد حسنين مخلوف" كان واحدًا من كبار علماء الأزهر وأعلامه المعروفين، وممن تولى إصلاحه، وترقى في المناصب الأزهرية حتى اختير وكيلاً للجامع الأزهر.
وقد تعهد الشيخ الجليل ابنه بالتربية والتعليم، فدفع به إلى من يقوم على تحفيظه القرآن الكريم حتى أتمه وهو في العاشرة من عمره على يد الشيخ "محمد خلف الحسيني" شيخ عموم المقارئ المصرية، ثم قام بإعداده ليلتحق بالأزهر، فحفظه متون النحو والتجويد والقراءات والفقه، وكانوا قديمًا يقولون "من حفظ المتون نال الفنون"، ثم التحق بالأزهر وهو في الحادية عشرة من عمره، وتلقى على كبار شيوخه الأعلام من أمثال "عبد الله دراز" و"يوسف الأجوي" و"محمد بخيت المطيعي" و"البيجرمي" بالإضافة إلى ما كان يتلقاه عن أبيه الشيخ "محمد حسنين مخلوف".
في مدرسة القضاء الشرعي
ولما أنشئت مدرسة القضاء الشرعي سنة (١٣٢٥هـ- = ١٩٠٧م) تقدم إليها طلاب الأزهر للالتحاق بها، وكانت هذه المدرسة أنشئت في أثناء تولي "سعد زغلول" لوزارة المعارف بغرض إعداد خريجيها لتولي مناصب القضاء، وقد تقدم إليها الشيخ "مخلوف" في سنة (١٣٢٨هـ- = ١٩١٠م) فقبل فيها، وكانت تصطفي النابغين من المتقدمين بعد امتحان عسير، لا يجتازه إلا الأكفاء من الطلبة.
وبعد أربع سنوات من الدراسة الجادة تخرج "حسنين مخلوف" حائزًا على عالمية مدرسة القضاء سنة (١٣٣٢هـ- = ١٩١٤م) بعد أن خاض امتحانًا قاسيًا أمام لجنة مكونة من كبار العلماء، يتقدمهم فضيلة الإمام الأكبر "سليم البشري" شيخ الجامع الأزهر، وكان الاختبار شفهيًا يمتد لساعات طويلة قد تصل إلى ست ساعات للطالب الواحد، وقد ترفع الجلسة لتنعقد في اليوم التالي، وعلى الطالب أن يجيب على أسئلة اللجنة التي تنهال عليه، وتختبره في دقائق العلوم، ولذلك كان لا يجتاز هذا الاختبار الدقيق إلا من اطمأنت
اللجنة إلى سعة علمه واجتهاده في التحصيل.
العمل في القضاء
وبعد التخرج عمل الشيخ "حسنين مخلوف" في التدريس بالأزهر لمدة عامين، ثم التحق بسلك القضاء، فعمل قاضيًا شرعيًا في قنا سنة (١٣٣٤هـ- = ١٩١٦م) ، ثم تنقل في عدة مدن للعمل في محاكمها حتى عُين في سنة (١٣٦٠هـ- = ١٩٤١م) رئيسًا لمحكمة الإسكندرية الشرعية، ثم اختير بعد عام رئيسًا للتفتيش الشرعي بوزارة العدل، ثم عُين نائبًا لرئيس المحكمة العليا الشرعية سنة (١٣٦٣هـ- = ١٩٤٤م) ، وفي أثناء ذلك كان يسهم في إصلاح القضاء الشرعي، وتعديل بعض القوانين التي تعمل على رفع كفاءته.
مفتي الديار المصرية
ثم اختير الشيخ "حسنين مخلوف" مفتيًا للديار المصرية في سنة (١٣٥٦هـ- = ٥ من يناير ١٩٤٦م)
وهو اختيار موفق، فالشيخ منذ شبابه يميل للفتوى، وأهلته ثقافته الفقهية لهذا العمل العظيم، وظهرت بوادر ذلك وهو لا يزال طالبًا في مدرسة القضاء الشرعي، حين أعطاه أبوه رسالة وصلت إليه يتطلب صاحبها حكم الإسلام في الرفق بالحيوان، وطلب منه أن يكتب الرد بعد الرجوع إلى أمهات كتب الفقه، فعكف الطالب النابه على كتابة الرد الذي استغرق منه أسبوعين، وجاء ردًا شافيًا نال إعجاب الوالد الفقيه، وبلغ من سروره به أن بادر إلى طباعته تقديرًا منه لهذا العمل الباكر لابنه النجيب.
وظل الشيخ في منصبه الكبير حتى (رجب من سنة ١٣٦٩هـ- = مايو ١٩٥٠م) عندما بلغ انتهاء مدة خدمته القانونية، وشغل وقته بإلقاء الدروس في المسجد الحسيني، والرد على أسئلة الناس الفقهية، ثم عاد مرة أخرى؛ ليتولى هذا المنصب سنة (١٣٧١هـ- = ١٩٥٢م) ، ومكث فيه عامين.
وفي أثناء توليه منصب الإفتاء اختير عضوًا في هيئة كبار العلماء بالأزهر سنة (١٣٦٧هـ- = ١٩٤٨م)
تقديرًا لعلمه وفضله، وبعد تركه المنصب اختير رئيسًا للجنة الفتوى بالجامع الأزهر.
وكان الشيخ "حسنين مخلوف" قويًا في الحق، يجهر به ما دام قد استقر في يقينه صحة ما تواصل إليه،
فخاض حربًا ضد الشيوعية قبل قيام حركة الجيش سنة ١٩٥٢م، وكانت بعض الأقطار الشيوعية قد تسربت
إلى الناس عبر وسائل الإعلام المختلفة، وخدع بها البعض، وظنوا فيها خيرًا، فلما رأى الشيخ ذلك صدع
بالحق وأعلن أن الشيوعية بعيدة كل البعد عن الإسلام، وحين طلب منه أن يعلن أن الإسلام اشتراكي، وأن
الاشتراكية نابعة من صميم الإسلام، أبى الشيخ الغيور وأعلن أن الإسلام لا يعرف الاشتراكية بمفهومها
الغربي، لكنه يعرف العدل والمساواة والتكافل حسبما جاء في آيات الذكر الحكيم.
وجرّت عليه هذه الفتاوى مطالبة خصوم الإصلاح العودةَ إلى منابع الإسلام الصافية، وكانوا من ذوي الجاه
والسلطان، فحاربوا الشيخ الفقيه، وضيقوا عليه، وأوعزوا إلى الصحف أن تمتنع عن نشر ما يكتبه في مختلف القضايا، ولم يعد له متنفسا سوى مجلة الأزهر يجهر فيها بما يراه حقًا،
مولفات الشيخ "حسنين مخلوف"
شغل عمل الشيخ في القضاء والإفتاء عن التفرغ للتأليف والصنيف، واستأثرت فتاواه بجل وقته، ووعي ثروة فقهية عظيمة احتاج إصدارها إلى مراجعة لكتب الفقه والحديث وترجيح بين الآراء المتعارضة حتى يصل إلى الجواب الشافي الذي يطمئن إليه فيفتي به السائل، وقد جُمِعت فتاواه التي أصدرها في مجلدين كبيرين. ونبه عمله بالفتوى والقضاء إلى ما ينفع الناس من الكتب، ويسد حاجاتهم، فاتجه إلى التأليف الوجيز الذي
يعالج قضية أو يحل مشكلة سائرة، فحين رأى كثرة السائلين في حلقات درسه عن بعض معاني القرآن، وجد أنه من الضروري أن يضع كتابين، يختص أحدهما ببيان معاني الكلمات القرآنيةن وأطلق عليه "كلمات
القرآن تفسير وبيان" وقد رزق الكتاب شهرة واسعة فأقبل عليه الناس وتعددت طبعاته، أما الآخر فهو أكثر
اتساعًا من الأول في بيان معاني القرآن وسماه "صفوة البيان لمعاني القرآن"
أما مؤلفاته الأخرى، فمنها:
- آداب تلاوة القرآن وسماعه.
- أسماء الله الحسنى والآيات القرآنية الواردة فيها.
- أضواء من القرآن في فضل الطاعات وثمراتها وخطر المعاصي وعقوباتها.
- شرح البيقونية في مصطلح الحديث.
مكانة الشيخ "مخلوف"
نال الشيخ "حسنين مخلوف" تقدير أمته وحل منها موضع الإجلال والتقدير، وعرفت مكانته المؤسسات
العلمية، فدعته للعمل بها، فكان عضوًا مؤسسًا لرابطة العالم الإسلامي بالسعودية، وشارك في تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، واختير عضوًا في مجلس القضاء الأعلى بالمملكة العربية السعودية.
وحظي الشيخ بتكريم الدولة في مصر، فمنحته جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة (١٤٠٢هـ-
= ١٩٨٢م) ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وامتد تكريمه إلى خارج البلاد، فنال جائزة الملك
فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة (١٤٠٣هـ- = ١٩٨٣م)
وفاة الشيخ:
امتدت الحياة بالشيخ "حسنين مخلوف" حتى بلغت قرنًا من الزمان، وبارك الله في عمره فقضاه في خدمة
الإسلام ونصرة قضاياه، واتسعت رحلاته فشملت كثيرًا من بلاد العالم الإسلامي داعيًا ومعلمًا ومفتيًا، وظل
على هذا الحال حتى لقي الله في سنة (١٤١٠هـ- = ١٩٩٠م) .
بواسطة العضو محمد عزت