هو مصطفى حسني السباعي، ولد في عام ١٩١٥ في مدينة حمص السورية في أسرة علمية عريقة. كان أجداده وأبوه يتولون الخطابة في الجامع الكبير بحمص جيلاً بعد جيل، وكان أبوه الشيخ حسني في طليعة العاملين والمؤيدين للحركات الوطنية، ومن محبي الخير مساهماً في تأسيس الجمعيات الخيرية والمشاريع الاجتماعية، يحرص على عقد مجالس العلم مع لفيف من فقهاء حمص وعلمائها الأخيار حيث كانوا يتدارسون الفقه ويتناقشون في أدلة مسائله.
بدأ مصطفى السباعي بحفظ القرآن الكريم، وتلقى مبادئ العلوم الشرعية على أبيه حتى بلغ السن التي تخوله دخول المدرسة الابتدائية، حيث التحق بالمدرسة المسعودية، وبعد أن أتم فيها دراسته بتفوق ظاهر، التحق بالثانوية الشرعية وأتم دراسته فيها عام ١٩٣٠ بنجاح باهر لفت أنظار كبار أساتذته الذين كانوا يتوقعون له مستقبلاً علمياً باهراً. ولم يقتصر في دراسته الشرعية على المناهج المدرسية، وإنما كان يحضر مجالس العلم التي كان يعقدها والده مع كبار الفقهاء والعلماء، وكان يتردد على غيرهم من علماء حمص يتلقى عنهم العلوم الإسلامية المختلفة. كما كان السباعي مولعاً بالمطالعة والبحث في كتب الأدب والثقافة المختلفة، وفي ذلك قام بتأليف جمعية سرية لمقاومة مدارس التبشير الأجنبية التي أنشئت بمساعدة السلطات الاستعمارية الفرنسية، وكانت هذه المدارس تحبب إلى طلابها الثقافة الغربية وتعمل على إبعادهم عن عقيدتهم.. فعمل السباعي على محاربتها، كما ساهم في تأسيس وقيادة عدد من الجمعيات الإسلامية في حمص وفي غيرها، ومنها (الرابطة الدينية بحمص) و (شباب محمد صلى الله عليه وسلم) و (الشبان المسلمين في دمشق) .
وكان يلقي خطبة الجمعة في كثير من الأحيان في الجامع الكبير نيابة عن أبيه، مما جعله يحتل مكانة مرموقة في بلده، وحاز إعجاب الجماهير التي كانت تتوق لسماع خطبه القوية الحماسية ضد الاستعمار الفرنسي مما أدى إلى اعتقاله مرتين: ١٩٣١، ١٩٣٢، وعندما أفرج عنه رأى أن يتابع دراسته وتحصيله العالي في مصر.
سافر مصطفى السباعي إلى مصر عام ١٩٣٣، والتحق بالجامعة الأزهرية، وانتسب إلى قسم الفقه، وأدهش أساتذته لما أبداه من تفوق باهر، ثم انتسب إلى كلية أصول الدين، ونال إجازتها بتفوق التحق بعدها بقسم الدكتوراه لنيل شهادتها في التشريع الإسلامي وتاريخه، وقد قدم أطروحته العلمية وموضوعها (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) التي نالت درجة الامتياز، وكان ذلك عام ١٩٤٩ وقد أدهش اللجنة بدقته العلمية، وأصبح هذا الكتاب القيم من أهم المراجع العلمية في موضوعه. وما أن استقر السباعي في القاهرة، حتى بادر للاتصال بداعية الإسلام الشهيد حسن البنا، وكان قد سمع به من قبل وعرف جهاده في سبيل الإسلام، وكان الإمام البنا قد فرغ من بناء جماعته التي استطاعت بقيادته الفذة أن توجد في مصر التيار الإسلامي الذي أثبت وجوده وقد أفزع الإمام البنا الاستعمار وعملاءه، فأقدموا على اغتياله عام ١٩٤٩، بعد أن أثبت أنه وجماعته قوة ترهب المستعمرين وتهدد وجودهم ومصالحهم.
وقد أعجب السباعي بعمل البنا، ورأى أن ما كان ينشده ويفكر به من تنظيم جماعة تنهض بعبء رسالة الإسلام، قد تحقق على يدي الإمام البنا، فساهم خلال وجوده في مصر بدفع هذه الحركة، وتوسيع نشاطها، وتدعيم أساسها، فاستفاد من تجربتها وأفادها من خبرته ونشاطه. وبلغ نشاطه حداً أقلق الاستعمار البريطاني وأتباعه في مصر آنذاك فألقي القبض عليه من قبل القيادة البريطانية بتهمة تحريض الشعب المصري على الثورة ضد الإنكليز، وزج به في السجن، وبعد شهرين سُلم إلى السلطات الإنكليزية في فلسطين، فأودع معتقل صرفند وبعد مضي أربعة أشهر أفرج عنه لتعيد السلطات الفرنسية اعتقاله من جديد فور وصوله إلى سورية، وزجته في سجون لبنان أكثر من سنتين ونصف، وبعد أن أفرج عنه عاد إلى حمص ثم انتقل إلى دمشق ليتابع نشاطه في الدعوة إلى الإسلام، وقيادة الجماهير في طريق (الحق والقوة والحرية) ورأى أن الوقت قد حان لإخراج الحركة من نطاق العمل الشعبي العام إلى نطاق الحركة المنظمة، وبدأ باصطفاء الأكفياء من الرجال، وانتهى إلى تأسيس الجماعة المنشودة مختاراً لها اسم الحركة الإسلامية في مصر، لإخراج الحركة من النطاق المحلي إلى نطاق الوطن العربي الكبير، فأعلن عام ١٩٤٥ قيام (جماعة الإخوان المسلمين) ، وقد انتخبته الهيئة التأسيسية للجماعة فيما بعد مراقباً عاماً مدى الحياة، فقاد الجماعة قيادة الحكيم حتى استطاع أن يوجد في سورية التيار الإسلامي الواعي الذي استقطب خيرة الشباب المثقف المؤمن، واستمر السباعي القائد يمنح دعوته وجماعته من شبابه المتوقد وحيويته النادرة وعقله الجبار وروحه القوية وكل ذرة من جهده ووقته حتى سقط من الإرهاق، لكنه لم يستسلم للمرض وكان يقول:(خير لي أن أموت وأنا أقوم بواجبي نحو الله، من أن أموت على فراشي، فالآجال بيد الله، وإن ألمي من حرمان الطلاب من دروس التوجيه أشد وأقسى من آلامي الجسدية، وحسبي الله وعليه الاتكال) .