قال فيه تلميذه الشيخ سعيد الباني:(جمع بين المعقول والمنقول، ومزج القديم بالحديث، أخذ من كل علم لبابه، ونبذ لفاظته، فكنت تجد منه العالم الديني والمدني والرياضي والطبيعي والسياسي والأديب والمؤرخ والأثري والاجتماعي والأخلاقي والكاتب والشاعر، فكان عنده من كل علم خبر ... فهو دائرة المعارف، ومفتاح العلوم، وكشاف مصطلحات الفنون، وقاموس الأعلام) .
في سنة ١٨٩٨ عُين الشيخ الجزائري مفتشاً لدور الكتب العامة في دمشق، فعاود سيرته الأولى مبشراً بمبادئه، فبث أفكاره بين معارفه ومؤيديه لمدة أربع سنوات، ثم لما كان اسم الشيخ لدى رجال الحكم في رأس الداعين إلى التحرر في وقت ازدادت في السياسة اضطراباً، رحل الشيخ الجزائري خفية إلى مصر التي كانت يومئذ تنعم بالاستقرار وبشيء من الحرية والأمن، حاملاً معه ما استطاع من كتب قيمة ومخطوطات نادرة.
اتصل الشيخ الجزائري في مصر بالعلماء الذين عرفوا فضله بغية الإفادة من خبرته، كما كانت بين الشيخ والمستشرقين صداقات يراسلهم ويراسلونه على اختلاف قومياتهم، وزاره كثير منهم في رحلاتهم إلى الشرق، يقتبس منهم ما ينفع المسلمين، ويُقبسهم ما يثبت سماحة الإسلام ومدنيته ومجد المسلمين وتمدنهم، وهذا ما جعله في عداد حلقات السلسلة التي تصل الشرق بالغرب، كما شهد له الكثيرون. كما شارك الجزائري في تحرير بعض الصحف المصرية، وكان يعكف في لياليه وأوقات فراغه على التأليف، فكان من أهم آثاره في تلك الفترة كتاب في الحديث (توجيه النظر إلى أصول الأثر) ، جمع فيه زبدة ما جاء في كتب أصول الفقه ومصطلح الحديث من القواعد والفوائد بشكل يدل على سعة إطلاع وفهم عميق لأسرار الشريعة.
عاد إلى دمشق سنة ١٩١٩ بعد قيام الدولة العربية، فعينته الحكومة العربية مديراً عاماً لدار الكتب الوطنية الظاهرية، وانتخب عضواً في المجمع العلمي العربي، إلا أن أقامته لم تدم أكثر من أربعة أشهر، فقد اشتد به مرض الربو، فتوفي يوم الاثنين الموافق ٥ كانون الثاني سنة ١٩٢٠، ودفن في سفح قاسيون تنفيذاً لوصيته.
ترك الشيخ الجزائري الكثير من المؤلفات التي تدل على علمه الغزير وثقافته الواسعة، وطُبعت أكثرها في حياته وبإشرافه.
المراجع:
ـ (تاريخ علماء دمشق) د. شكري فيصل، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى ١٩٨٦، الجزء الأول، ص (٣٦٦ـ ٣٨٠) .
ـ (المعاصرون) محمد كرد علي، دار صادر، بيروت ١٩٩١، ص (٢٦٨ـ ٢٧٨) .
ـ (الأعلام) خير الدين الزركلي، دار العلم لملايين، بيروت، الطبعة العاشرة ١٩٩٢، المجلد الثالث، ص (٢٢١، ٢٢٢) .