كما تم إرساله مبعوثا من الأزهر الشريف لدراسة قضية المنبوذين في بلاد الهند، وكتب تقريره التاريخي الذي كشف كثيرًا من الحقائق التي كانت مجهولة آنذاك، منها أن غاندي قد سرق الحركة الوطنية من المسلمين.
وبعد هجرة دامت أربع عشرة سنة عاد الثعالبي إلى تونس يوم ١٩ يوليو ١٩٣٧م فخصّه الشعب التونسي باستقبالات رائعة واستبشر الوطنيون بمقدمه. كما ظنوا أنه سيعمل لا محالة على وضع حد للانشقاق الجديد الذي ظهر في صفوف الحزب الحر الدستوري التونسي إثر "مؤتمر قصر هلال" المنعقد في ٢ مارس ١٩٣٤م، وبدأت المساعي الرامية إلى التوفيق بين الحزبين الدستوريين الجديد والقديم، ولكن سرعان ما ذهبت تلك الجهود التوفيقية أدراج الرياح؛ نظرًا لتباين أفكار الشقين وطرق عملهما وتشبث كل منهما بموقفه.
ابتعاده عن السياسة ورحيله
وأدى تفاقم الوضع بين الحزبين إلى ابتعاد الثعالبي شيئا فشيئا عن حلبة السياسة، لا سيما بعد أن أوقف الحزب الدستوري القديم من تلقاء نفسه إثر حوادث ٩ إبريل ١٩٣٨م، ولكنه لم يتخلَّ قط عن نشاطه الفكري والثقافي؛ لأنه كان داعيا دينيا ومصلحا اجتماعيا قبل أن يكون زعيما سياسيا. ليصدر الجزء الثاني من كتابه المتعلق بالسيرة النبوية بعنوان "معجزات محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعندما اضطره المرض العضال الذي ألمّ به إلى ملازمة بيته إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية استمر في الاتصال بالمثقفين، ولا سيما الشبان منهم فكان يجلس في بيته كل يوم جمعة بعد العصر لإلقاء دروس على طلبة "جامع الزيتونة المعمور" حول مقاصد الشريعة أو التاريخ أو مشاهدته في البلدان الإسلامية الشرقية.
وقد لبّى الشيخ عبد العزيز الثعالبي داعي ربه في أول أكتوبر ١٩٤٤م فكان وقع وفاته شديدا على الوطنيين الصادقين الذين لم يغب عن أذهانهم ما قدمه ذلك المصلح العظيم من جليل الخدمات إلى بلاده خاصة، وما بذله طوال حياته من جهود للنهوض بالأمة الإسلامية قاطبة.