للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد استوى بِشْرٌ (١) على العراق ... من غير سيف ودم مراق

فهو استوى على العراق من غير منازعة بالسيف أو بقتل وإراقة الدماء.

نقول: لا زلنا معكم، يعني هل كان في يد غيره ثم أخذه منه؟ يعني هل خرج العرش عن ملك الله طرفة عين حتى تقول إنه استولى عليه إذن فكلا جوابيكم باطل وقلتم استولي بغلبة ومنازعة أو بدون ذلك، ثم إنه لا يجوز الاستدلال بهذا البيت على تفسير استوى باستولى لأن هذا مخلوق والله ليس كمثله شيء، ولأن البصرة حقيقة لم تكن في أمرته ولا تحت ولايته بل عهد إليه أخوه عبد الملك بذلك فيصح أن نقول إنه استولى، لكن هل كان العرش كذلك؟ لا والله، فهو لم يخرج عن ملكه طرفة عين، ولذلك يقول الإمام ابن تيمية:

قبحاً لمن نبذ الكتاب وراءه ... وإذا استدل يقول قال الأخطل

ويقول الإمام ابن القيم:


(١) هو بشر بن مروان، أخو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، وهو أول من ولي على البصرة في بلاد العراق، وامتدحه الأخطل الشاعر النصراني بهذا البيت، ومعناه: أن بِشْراً استولى على العراق بعهد من أخيه عبد الملك بن مروان دون مقاتلة وقتل وقطع رقاب وقال أئمتنا في ترجمة بِشْر: كان من الكرماء وكان لا يغلق بابه عن أحد من رعيته، ومن أقواله – ونعم ما قال -: وليس الأمراء في هذا الوقت يقتدون بهذه الحكمة التي أثرت عنه – يقول: "إنما يحتجب النساء فالأمير لا يحتجب" ولما احتضر يقول الحسن البصري ولما احتضر أدركته وكان على سريره فنزل وهو يتلوى على الأرض ثم نادى بأعلى صوته: يا ليتني كنت في البادية أرعى الماشية، فقيل هذا لأبي حازم فقال: الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يفرون إلينا ولا نفر إليهم، والله لازال الله يرينا فيهم عبراً، فالعالم أو غيره لا يتمنى عند موته لو أنه كان أميراً، لكن الأمير يتمنى عند موته لو أنه لم يكن أميراُ بل كان راعياً أو غيره ولما يراه عند سكرات الموت، توفي سنة ٧٤ هـ رحمه الله.