قوله تعالى:{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا} وهي البيوت أو المدينة؛ أي من نواحيها وجوانبها، الواحد قُطْر، وهو الجانب والناحية. وكذلك القُتْر لغة في القطر. {ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا} أي لجاؤوها؛ هذا على قراءة نافع وابن كثير بالقصر.
وقرأ الباقون بالمدّ؛ أي لأعطوها من أنفسهم، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
وقد جاء في الحديث: أن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يعذَّبون في الله ويُسألون الشرك، فكلٌّ أعطى ما سألوه إلا بلالاً. وفيه دليل على قراءة المدّ، من الإعطاء.
ويدل على قراءة القصر قوله:{وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} ؛ فهذا يدل على «لأَتَوْهَا» مقصوراً.
وفي «الفتنة» هنا وجهان: أحدهما سُئلوا القتال في العصبية لأسرعوا إليه؛ قاله الضحاك. الثاني: ثم سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين؛ قاله الحسن. {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ} أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلاً حتى يهلكوا؛ قاله السّدِّي والقُتَيبِيّ والحسن والفراء. وقال أكثر المفسرين: أي وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلاً ولأجابوا بالشرك مسرعين؛ وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم؛ فلو اختلطت بهم الأحزاب لأظهروا الكفر.