للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإنسان أحياناً عندما يحدث من حفظه قد يشتبه عليه بعض الرواة فيكون الراوي ضعيفاً أو كذاباً ولا ينتبه له عندما يحدث من حفظه، لكن عندما يجلس ليؤلف ويصنف فهناك يتحقق، ودائماً الحديث الشفوي النظري ليس له من التحري والتأكد كما يكون في حال الكتابة والتوثيق، فهذا مثلاً في هذا الحديث عند الرحمن بن زيد بن أسلم واهٍ لكن خفي هذا الكلام على الحاكم، لأنه في مجلس إملاء – كما قلت – ومجالس (١) الإملاء كانت في سلفنا وانقضت بانقضاء السلف الصالح وما خلفهم أحد يسد مسدهم والعجب لموقف الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية نحو هذا الحديث، ففي كتاب الاستغاثة الذي سماه في الرد على البكري، يقول في صـ٥: هذا الحديث لا يوجد في شيء من دواوين الإسلام فلم يخرجه أحد من أصحاب الصحيحين ولا المسانيد ولا السنن ولا الحاكم في المستدرك ولا غيرهم.


(١) مجالس الإملاء: كان الشيخ يجلس فيها ويملي من صدره لا من كتابه، فأحياناً يملي في المجلس الواحد ألف حديث أو خمسمائة حديث أو مائة حديث بأسانيدها ومتونها من صدره، وهذا كان يتميز به سلفنا عمن بعدهم؟ فالعلم في صدورهم لا في كتبهم، وكما قيل: العلم ما حواه الصدر لا ما حواه القِمَطْرُ.
وحقيقة مجالس الإملاء تدل على نبل العلماء لكن كما ذكرت ليس فيها من التحري ما يوجد في التصنيف، والتأليف والتحقيق فهذه كما قال البخاري: لم أودع حديثاً في الجامع الصحيح إلا بعد أن اغتسلت وصليت ركعتين واستخرت الله في وضعه، فانظر لهذا التحري من الإمام البخاري؛ لأن هذا تصنيف وليس من إملائه على أحد، لكن الحاكم ليس كذلك كان يملي وتلامذته يكتبون وراءه ما يملى عليهم، فمات قبل أن ينظر فيما كتب عنه وكانت فيه أحاديث ليست بصحيحة فجاء الإمام الذهبي واستدركها على الحاكم وسماه تلخيص المستدرك.