للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني عليه رحمة الله: "كان الناس إذا وصلوا إلى مبحث القدر وفقوا وأما أنا ففتحت لي رَوّزنة (فتحة) " فنازعت أقدار الحق بالحق للحق (١) ، والمؤمن من ينازع القدر بالقدر، لا من يستسلم للقدر (٢) " وحقيقة هذا هو محض العبودية، وقد شرح هذا الكلام ابن القيم في المدارج (١/١٩٩) والإمام ابن تيمية في الفتاوى (٨/٥٤٧) ، وهذا الكلام أجمل ما قاله الشيخ عبد القادر رحمه الله.

... إذن لابد من الأخذ بالأسباب والعمل للوصول إلى المراد، وليس التوكل أن يعرض الإنسان عن السبب فهذا تواكل، فالتوكل هو ثقة القلب بالرب ثم يبذل ما في وسعه نحو هذه الأسباب ضمن استطاعته كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم [فاتقوا الله وأجملوا في الطلب] ، ولو توكلنا على الله حق التوكل لرزقنا كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً وانتبه إلى تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم فأثبت لها سعيها (تغدو) و (تروح) أي تعود في المساء والعشى شبعى، فهذا هو حالها وهذا هو تقدير الله لرزقها، ولذلك قال عمر لرجل جلس يدعو يقول اللهم ارزقني، فقال له: ويحك إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة وكذلك لو جلس شخص في خلوته يدعو يقول اللهم انصرنا وهو جالس فهذا تواكل بل لابد من الجهاد والإعداد وأخذ الأسباب ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج للجهاد مع أن دعاءه يكفي لأنه لو دعى الله أن ينصره دون حرب لنصره جل وعلا، إذن لابد من عمل الأسباب (فامشوا في مناكبها) وإذا عملنا فلا نختال ولا نعجب ولا نغتر (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) .

اقنع بما ترزق يا ذا الفتى ... فليس ينسى ربنا نملهْ (٣)


(١) أي قاومت أقدار الحق بإقدار الحق طلباً للحق ولرضوان الله وللتقرب له.
(٢) لا من استسلم فهو متواكل.
(٣) (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) .