.. ولذلك الله جل وعلا عندما يحاسب عباده يوم القيامة هل يحاسبهم أيضاً بشهادة واحدة وببينة أم بشهادات وبينات؟ بشهادات وبينات فالملائكة والأرض تحدث أخبارها بما عمل ابن آدم على ظهرها من خير أو شر فتشهد عليك يوم القيامة، والصحف تشهد، والجوارح تشهد، والله كفى به شهيداً لا تخفى عليه خافية، قال الله جل وعلا (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) ، وقال جل وعلا في سورة النور في حق القاذفين (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) وقال في سورة فصلت: (حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم (١) بما كانوا يعملون) ، وثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام [أنه كان بين أصحابه فضحك، فقالوا له: أضحك ألله سنك يا رسول الله، ما الذي أضحكك؟، فقال ضحكت من محاجة العبد لربه، يقول: فإني لا أقبل على نفسي شهيداً إلا من نفسي فيقول الله له: لك ذلك، فيختم على فيه، ويقول لجوارحه انطقي فتشهد عليه يداه ورجلاه وجوارحه بما عمل، ثم خلى الله بينه وبين الكلام فقال لجوارحه بُعداً لكُنْ وسحقاً فعنكُنَّ كنت أناضل] أي عنكن كنت أدافع، فقالت الجوارح (أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الحادثة.
(وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء)
العمر ينقص والذنوب تزيد ... وتُقال عثرات الفتى فيعودج
هل يستطيع جحود ذنب واحد ... رجلٌ جوارحه عليه شهودج
(١) كثير من المفسرين قالوا: المراد من الجلود خصوص الفرج، فكنى بالجد عن الفرج الذي إذا فعل الإنسان حراماً يشهد عليه، ولفظ الجلد أعم من ذلك يشمل الفرج وغيره من الجوارح الأخرى، فلو كشف فخذه سيشهد عليه هذا الفخذ بأنه كشف أمام من لا يحل أن ينظر إليه، وهكذا لو كشفت المرأة يدها أو شعرها أو شيئاً سيشهد عليها ذلك أمام الله، لأنها كشفته أمام من لا يحل أن ينظر إليه.