وهذا التقدير الأزلي ليس فيه شائبة إكراه ولا قسر ولا جبر إنما ربنا جل وعلا يعلم الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة ويعلم ما سيقع في كونه وفي ملكه، فكونه يعلم أن هذا سيختار الكفر أو أن هذا سيختار الإيمان ليس في هذا جبر ولا إكراه، فالله جل وعلا لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وليس حاله كحال المخلوقات لا نعلم الأشياء إلا بعد وقوعها ولو قيل لنا فلان سيختم له على الإيمان أو الكفر؟ لقلنا لا ندري، ولو كان الله سبحانه وتعالى كحالنا لما كان إلهاً، سبحانه وتعالى وتنزه بل هو بكل شيء عليم يستوي في عمله ما وقع وما سيقع فالكل عنده سواء ولذلك العلم صفة انكشاف يعلم بها ربنا جل وعلا الأشياء على ما هي عليه وقعت أم لم تقع.
... ولو أن فلاناً من الناس قبل أن يتزوج قيل لنا ماذا سيولد له؟ هل نعلم؟ لا طيب ولو تزوج واستقر الحمل في بطن زوجته بعد أربعة أشهر يمكن أن نعلمه أم لا؟ يمكن أن نعلم ما في بطن زوجته هل ذكر أم أنثى لأنه لا يحول بيننا وبينه إلا جلدة البطن، فلو علمنا ما في الرحم بواسطة الأشعة فهذا ليس علماً بغيب وليس مختصاً بالرب بل علمته الملائكة التي تبعث إلى الجنين وهو في الرحم، فليس هذا العلم من العلم بالغيب الذي اختص به الرب جل وعلا، فإذا علمه الأطباء وقبلهم الملائكة فلا حرج في ذلك، لكن قبل أن تنفخ فيه الروح وهو نطفة لو اجتمع أطباء الأرض ليعرفوه هل هو ذكر أم أنثى لن يستطيعوا.
... ثم إن علم الأطباء هذا قاصر وجزئي، فإنهم لا يعلمون هل سيولد أعمى أم بصير، سميع أم أصم؟ ذكي أم بليد؟ طويل أم قصير؟ سمين أو ضعيف؟ سيقولون لك لا ندري، إذن لم يعلم الأطباء من الجنين إلا كونه ذكراً أو أنثى.
... إذا علمت هذا علمت سخف من يزعم أن القرآن متناقض ويقول كيف يقول الله في كتابه (يعلم ما في الأرحام) ونحن قد علمنا؟!! سبحان الله الحمد لله على نعمة العقل.