إذن هذا دليل الفطرة المستقيمة وهو أن الله فطرنا على الإقرار بوجوده، ويترتب على هذه فطرة ثانية وهي وجوب تعظيمه لأن العقل يقول: إذا كان الله خالقنا وخالق كل شيء فيجب أن يعبد وأن لا نصرف العبادة لما سواه سبحانه وتعالى، وقد قرر الله هذا المعنى في آيات كثيرة من كتابه فأخبرنا الله في قرآنه أننا فقراء وهو الغني، وهذا مما يقرر دليل الفطرة الذي فينا فكل واحد يلحظ هذا من نفسه بأنه فقير لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، جاء إلى الدنيا على غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره ويلحظ أن الذي يملك أمره وأمر العالمين هو رب العالمين قال تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) ولذلك العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الفقر وهذا خلاف ما يقوله الفلاسفة والمتكلمون يقولون العلة في احتياج العالم هي الحدوث أي كون العالم حادث والحادث لابد له من محدث وموجد، ويقولون العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الإمكان أي ممكن الوجود ليس بواجب الوجود، وهذا كلام باطل نقول الإمكان والحدوث علامتان على الفقر وليستا بعلة لاحتياج العالم إلى الله، فالفقر ممكن الوجود، فالإمكان في هذا علامة فقره لأن يمكن أن يوجد ويمكن أن يُقدم والذي رجح أحد الضدين هو الله جل وعلا والحدوث علامة فقر لأنه لا يمكن أن يوجد إلا بحادث وموجد وهو الله رب العالمين.
ولذلك أخص وصف في المخلوق أنه فقير وأخص وصف في الخالق أنه غني ويوجد للإمام ابن تيمية عليه رحمة الله قصيدة من (١١) بيتاً تتعلق في بيان حقيقة الخالق والمخلوق وقد ذكرها تلميذه الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في مدارج السالكين (١/٥٢٠، ٥٢١ – ط دار الكتاب العربي) يقول الإمام ابن القيم: "وبعث إليّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهره أبيات بخطه من نظمه:
أنا الفقير إلى رب البريات ... أن المسكين في مجموع حالاتي