الموت تحفة المؤمنين، وإذا آمن الإنسان برب العالمين، واتبع النبي الأمين -عليه الصلاة والسلام- وأخلص لله في كل حين سيكثر من ذكر الموت، ويفرح به ويشتاق إليه، وإذا تعلق بهذه الحياة سيخاف من الموت ويفر منه ويعرض عنه، وهو آتيه ولابد، يقول العبد الصالح بشر الحافي بِشر بن الحارث -عليه رحمة الله- الذي توفي سنة ٢٢٧هـ، وهذا الأثر عنه منقول في حلية الأولياء لأبي نعيم، وتاريخ بغداد للإمام الخطيب البغدادي -عليهم جميعاً رحمة الله- قول هذا العبد الصالح:(ما من أحدٍ يحبُ الدنيا إلا ولن يحبَ الموت)(وما من أحدٍ يزهد في الدنيا إلا أحبَّ لقاء الله) حتماً من أحب الدنيا، وتعلق بها لن يحب الموت، ومن زهد في الدنيا وأعرض عنها أحب الموت وفرح به واشتاق إليه، وأكثر من ذكره، فما حالك أنت أيها العبد الصالح بِشر بن الحارث بشر الحافي؟! ثم قال:(اللهم إنك تعلم أن الفقر أحبُّ إليَّ من الغنى، وأن الذُلّ أحبُّ إليَّ من العز، وأن الموتَ أحبُّ إليَّ من البقاء) ، وكان هذا العبد الصالح ينطق بالحِكَم، ويتحدث عن حال الأيام التي نعيش فيها -ما مضى وما نعيش فيه وما سيأتي- فيقول: ما يقطع الأمل عن أهل الغرور يقول (أمسِ ماتَ) ما مضى مات وفات (واليومُ في السياق) أي أن اليوم يحتضر، ليموت كما مات اليوم الماضي، (وغداً لم يولد) ، أمس مات واليوم في السياق وغداً لن يولد.
بشر الحافي -عليه رحمة الله- من كلامه ودرره وعظيم مراقبته وعلمه بأحوال القلوب وما يجري فيها كان يقول:(إن العبد ليرائي بعمله بعد موته) .
قيل كيف مات ويرائي؟! قال: يحب أن يَكثُر الخلقُ في جنازته، -إذا توفي- يتمنى هذا من أجل أن يتحدث الناس عنه بعد موته أنه شهد في جنازته جمٌ غفير، فيكتب عليه جرم الرياء بعد موته.