للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما القرينة في الآية التي تحتم هذا المعنى وتوجبه وتمنع غيره.. أن الله جل وعلا في هذه الآية قابل الإسماع المنفيِّ {إنك لا تسمع الموتى} بإسماع مثبت، فقال جل وعلا {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} .

إذاً عندنا إسماعان، أحدهما منفي والآخر مثبت، وأصحاب هذين الإسماعين متقابلان متضادان، كحال هذين الإسماعين، هنا إثبات السماع وهنا نفي السماع، هنا {إن تسمع إلا من يؤمن بآيتنا} وهنا {إنك لا تسمع الموتى} .

لو كان المراد من الموتى موتى الأبدان لقال الله في الأسماع المثبت.. إنما تسمع من لم تمت أبدانهم، إنما تسمع من لم يقبروا، إنما تسمع من هم على قيد الحياة، لم قال في الإسماع المثبت {إن تسمع إلا من يؤمن بآيتنا} .. (غير واضح) وهم الذين لا يسمعون {إنك لا تسمع الموتى} إنك لا تسمع من يكفر بآيتنا، {إنما تسمع من يؤمن بآياتنا} ما ثبت لهذا ينفى عن هذا، فهنا أناس سمعوا مؤمنون مهتدون، وهناك كفار لم يسمعوا فإن قيل لنا: الكفار لا يسمعون؟ نقول: نعم لا يسمعون سماع انتفاع، ولا يسمعون سماع اهتداء، كما سيأتينا تقرير هذا بآيات القرآن الكثيرة، إنما هنا أذكر فقط القرينة التي تحتِّم هذا المعنى، فهم لهم مجرد السماع دون ما يترتب عليه من أثر الاتباع والاهتداء، {فإنك لا تسمع الموتى} إنك لا تسمع من مات قلبه إسماعاً يترتب عليه أثر من الانتفاع والاتباع والاهتداء، إنما ينتفع بالسماع منك ويهتدي ويتبعك {من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} وهذا في منتهى الجلاء والوضوح والظهور، فلو أراد الله من الموتى موتى الأبدان لقابلهم بما يقابلهم مما يضادِّهم فقال، إن تسمع إلا من كان حياً، إن تسمع إلا من لم يمت، إن تسمع إلا من لم يقبر، {فإنك لا تسمع الموتى} قوبل {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} .

إذاً إخوتي الكرام: إسماع مثبت، وإسماع منفي، المثبت للمؤمنين، والنفي عن الكافرين، وهذا كما قلت قرينة في الآية.