وتقدم في هذا الكتاب المبارك أثر وهب بن منبه – عليه رحمة الله تعالى – أنه قرأ في الكتاب الأول أن الله – تبارك وتعالى – يقول: "بعزتي من اعتصم بي، فإن كادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجاً، ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء، وأخسف به من تحت قدميه الأرض، فأجعله في الهواء، فأكله على نفسه ثم لا أبالي بأي وادٍ هلك (١)
(١) انظر صفحة: (......) .من هذا الكتاب المبارك، وانظر لزاماً ما أحلت عليه في ذلك المكان، مما فيه خلاص من الشدائد الجسام، وتأييد لمن يعتصم بالملك الرحمن، وشرح الحكم لابن عباد: (٣٥) ، قال محمد بن الحسين بن حمدان: كنت في مجلس يزيد بن هارون، وكان إلى جانبي رجل، قلت له: ما اسمك؟ فقال: سعيد، فقلت: وما كنيتك؟ قال: أبو عثمان، فسألته عن قصته وخبره، فقال: نفدت نفقتي، فقلت: ومن تؤمل لما قد نزل به؟ فقال: يزيد، فقلت: إذن لا يسعفك بحاجتك، ولا ينجح طبلك، ولا يبلغك أملك، فقال: وما علمك بهذا – رحمك الله –؟ قلت: إني قرأت في بعض الكتب أن الله – عز وجل – يقول: وعزتي وجلالي وجودي وكرمي، وارتفاعي فوق عرشي في علو مكاني لأقطعن أمل كل مؤمل لغيري بالإياس، ولأكسوته ثوب المذلة عند الناس، ولأنحينه من قربي، ولأقطعنه من وصلي، أيؤمل غيري في النوائب والشدائد بيدي؟ وأنا أنحى، ويرجى غيري، وتطرق الفكر أبواب غيري، وبيدي الأبواب وهي مغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني؟ من ذا أملني لنائبة فقطعت به دونها؟ ومن ذا الذي رجاني لعظيم جرمه فقطعت رجاءه مني؟ أم من ذا الذي يقرع بابي فلم أفتحه له؟ جعلت آمال خلقي بيني وبينهم متصلة، فتعلقت بغيري، وجعلت رجاءهم مدخراً لهم عندي فلم يرضوا بحفظي، وملأت سمواتي ممن لا يملون تسبيحي من ملائكتي، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري؟ فما لي أراه بآماله معرضاً عني؟ ومالي أراه لاهياً بسواي؟ أعطيته بجودي مالم يسألني، ثم انتزعته منه، فلم يسألني رده، وسأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطية قبل المسألة، ثم أسأل فلا أجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟ أليس الدنيا والآخرة لي؟ أوليس الرحمة والفضل بيدي؟ أوليس الجود والكرم لي؟ لو قلت لأهل سمواتي وأرضي: أملوني، ثم أعطيت كل واحد منهم من الفكر ما أعطيت الجميع ما نقص ذلك من ملكي عضو ذرة، كيف ينقص ملك كامل أنا قيمه؟ فيا بؤس القانطين من رحمتي، ويا بؤس من عصاني، ولم يراقبني، وثبت على محارمي، ولم يستح مني ١٠هـ وهذا الأثر غاية ما يقال فيه أنه من أخبار ما سبقنا من الأمم، قبلنا، ولكل فقرة منه شواهد في شرعنا، ولذلك ترخصت في ذكره فحديث ابن عباس وابن مسعود المتقدمين قريباً يشهدان له، كما أن حديث أبي ذر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – المتقدم في هذا الكتاب المبارك: (.......) يشهد له فاعلم، والله تعالى أعلم.