للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

.. والخوف والرجاء متلازمان، فكل منهما يستلزم الآخر، فكل خائف راج، وكل راج خائف، كما قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله – وقال: ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يسحن فيه وقوع الخوف، قال الله – تبارك وتعالى –: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} نوح١٣، قال كثير من المفسرين المعنى: ما لكم لا تخافون الله عظمة؟ قال: والرجاء بمعنى الخوف، والتحقيق: أنه ملازم له، فكل راج خائف من فوات مرجوه، والخوف بلا رجاء يأس وقنوط، وقال – تبارك وتعالى –: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ} الجاثية١٤، قالوا في تفسيرها: لا يخافون وقائع الله بهم، كوقائعه بمن قبلهم من الأمم (١) .


(١) انظر مدارج السالكين: (٢/٥١) ، وانظر النص على تلازمهما في المفردات: (١٩٠) – كتاب الراء – والإحياء: (٤/١٦٠) ، وقد قرر أئمة اللغة أن لفظ الرجاء من الأضداد يستعمل في الأمل، كما يستعمل في الخوف والوجل، انظر الأضداد للأصمعي: (٢٣) ، وللسيجستاني: (٨١) ولابن السكيت: (١٧٩) وذيل الأضداد للصفاني: (٢٣٠) ومن مجيئه بمعنى الأمل قول الله – عز وجل –: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} الإسراء٥٧، وقوله – جل وعلا –: في نفس السورة: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} الإسراء٢٨، وقوله – عز وجل – في سورة القصص: {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ} القصص٨٦، ومنه قول كعب بن زهير – رضي الله تعالى عنه – في قصيدة "بانت سعاد": ضمن مجموع مهمات المتون: (٧٨) :

أرجو وآمُلُ أنْ تدنو مودتها ... وما إخالُ لدينا منك تَنْويلُ

قال السيجستاني في الأضداد: (٨٠) أراد الطمع ١٠هـ ومنه ما في تفسير القرطبي: (٣/١٨) قال الشاعر:

أترجو أمة قَتَلَتْ حُسَيْنا ... شفاعة جدّه - صلى الله عليه وسلم - يومَ الحساب

ومن مجيئه بمعنى الخوف والوجل الآيتان المتقدمان في كلام الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى، وقد نص على كون الرجاء في الآية الأولى بمعنى الخوف الأصمعي في الأضداد: (٢٣) ، والسيجستاني في الأضداد: (٨١) ، وابن السكيت في الأضداد أيضاً: (٧٩) ، وفي تلك الكتب الثلاثة ومعاني القرآن للفراء: (٢/٢٦٥) ، واللفظ له: وأنشدني بعضهم:

لا تَرْتجي حين تلاقي الذائدا ... أسبعة لاقتْ معاً أم واحدا

أي: لا تخاف ولا تبالي ١٠هـ والذائد هو المحامي المدافع، والبيت غير منسوب في الجميع، قال الفراء: وهي لغة تهامية يضعون الرجاء في موضع الخوف، إذا كان معه جحد، وفي الإتقان: (٢/١١١) نقلاً عن السهيلي: إنها لغة هذيل: وفي الأضداد للسيجستاني: إنها لغة هذيل، وكنانة، ونصر، وخزاعة، وفي الأضداد للأصمعي: (٢٤) ، وابن السكيت: (١٧٩) ، قال يونس:

إذا أهل الكرام يكرموني ... فلا أرجو الهَوَان من اللئام

وانظر شواهد أخرى فيما تقدم، وفي اللسان: (١٩/٢٣-٢٤) "رجا" ومجاز القرآن: (٢/٧٣) ، ومن احتمال لفظ لرجاء للوجل والأمل قول الله – جل وعلا – في سورة الفرقان: (٢١) {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً} الفرقان٢١، كما في تفسير القرطبي: (١٨/١٩) ، ونقل عنه ذلك شيخنا في الأضواء: (٦/٣٠٣-٣٠٤) ، وأقره ومنه قول الله – جل وعلا – في سورة النساء: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} النساء١٠٤ كما في روح المعاني: (٥/١٣٨) .