للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي المسند وسنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلساً إمام عادل وأبغض الناس إلى الله، وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر (١)


(١) انظر المسند: (٣/٢٢، ٥٥) ، وسنن الترمذي – كتاب الأحكام – باب ما جاء في الإمام العادل: (٥/٩) ، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله تعالى عنه – رواه الطبراني في الأوسط مختصراً كما في الترغيب والترهيب: (٣/١٦٧) بلفظ: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر" والحديث في سنده عطيه العَوْفي وهو صدوق ويخطئ كثيراً وكان يدلس كما في التقريب: (٢/٢٤) ، وقد عنعن، ولكن للحديث شواهد كثيرة، ولذلك حسنه الترمذي ونقل المنذري في الترغيب والترغيب تحسين الترمذي ولم يعقبه، وانظر تعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (٤/٥٥) .

قال مقيد هذه الصفحات – غفر الله الكريم له سائر الزلات –: نظراً لانحراف أكثر الأئمة الذين جاؤوا بعد الخلافة الراشدة، وعدم قبولهم نصيحة الناصحين، اعتزلهم غالبية العلماء الصالحين، ومن اضطر منهم للمخالطة صدع بالحق المبين، وقد قرر الغزالي في إحياء علوم الدين أن الواجب الاعتزال عن السلاطين، إذ لا سلامة إلا فيه، وقال: فإن قلت: كان علماء السلف الصالح يدخلون على السلاطين، فأقول: نعم، تعلَّمِ الدخولَ منهم ثم ادخل، ثم سرد عدة قصص لعلماء السلف الطيبين في دخولهم على السلاطين ونصحهم لهم وزجرهم عن الباطل والجور، انظر هذا وما يتعلق به في الإحياء: (١٤٠-١٤٥) ، وقال الخطابي في كتاب العزلة: (٨٦) معلقاً على حديث كعب بن عجرة – رضي الله تعالى عنه – وقد تقدم في صفحة: (.....) ليت شعري الذي يدخل عليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم، ومن الذي يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم، ومن الذي ينصح، ومن الذي ينتصح منهم؟ إن أسلم لك – يا أخي – في هذا الزمان، وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم، ونسأل الله – تبارك وتعالى – الغنى عنهم، والتوفيق لهم ١٠هـ وذكر نحو ذلك ابن الجوزي في صيد الخاطر: (٢٨٦-٢٨٨) ، والسمرقندي في تنبيه الغافلين: ٢٧٠-٢٧٣، وانظر مسلك الإمام أحمد مع الخليفة المتوكل، ومع أمير خراسان ابن طاهر في مناقب الإمام أحمد: (٣٧٥-٣٧٩) وعقب ابن الجوزي على ذلك بقوله: وإنما امتنع الإمام أحمد من زيارة ابن طاهر لأنه كان سلطاناً، وإلا فقد كان يزور أهل العلم والتدين، وانظر كتاب الإسلام بين العلماء والحكام، ويقع في قرابة خمسين ومائتي صفحة، وركز النظر على فصل: العلماء ينصحون الحكام، وفصل: العلماء ومواجهة الحكام.
وانظر قصة أبي حازم مع سليمان بن عبد الملك عند لقائه إياه، واجتماعه به في سنن الدارمي – المقدمة – باب في إعظام العلم –: (١/١٢٥-١٢٦) ، وانظر قول ابن أبي ذئب لأبي جعفر المنصور: إنك لا تعدل في الرعية، ولا تقسم بالسوية، في آداب الشافعي ومناقبه: (٣٢٠-٣٢١) ، وانظر أخباراً أخرى له مع المنصور تشبه ما تقدم في تاريخ بغداد: (٢/٢٩٨-٣٠٠) ، وانظر لزاماً معاتبة شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك لإسماعيل بن عُلَيَّة؛ لاتصاله بهارون الرشيد، وولايته له ديوان المظالم في ميزان الاعتدال: (١/٢١٨) ، وتهذيب التهذيب: (١/٢٧٧) ، وجامع بيان العلم: (١/١٦٥) ، والصواعق المحرقة: (٣٠٩) .
واعلم – وفقك الله – أن ذينك المسلكين – الاعتزال، أو الدخول للنصح – من سلفنا الكرام تجاه الحكام، كان في ظل الخلافة الإسلامية، لكن أكثر أولئك الأمراء دخلوا في بعض الأمور الردية، وقد تغيرت الأمور تغييراً جذرياً بعد ضياع الخلافة الإسلامية، وبذل الكفار كل غالٍ ورخيص في القضاء عليها، وأصبح الذين يتقلدون الأمور هم حثالة الناس وسقطهم، وهم شياطين في صورة آدميين، إلا من عصم الله منهم ورحم، وقد أخبرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن وقوع ذلك واعتبره من علامات فساد الكون، وأشراط الساعة، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع". انظر سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب ٣٧: (٦/٣٦٣) عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – وقال الترمذي: هذا حديث حسن، والمسند: (٥/٣٨٩) ، ورواه الإمام أحمد في المسند أيضاً عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في: (٢/٣٢٦، ٣٥٨) ، وعن بعض أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في: (٥/٤٣٠) ولم يرفعه، وعن أبي بردة بن نيار – رضي الله تعالى عنه – في: (٣/٤٦٦) ، وروايته أخرجها الطبراني باختصار كما في مجمع الزوائد: (٧/٣٢٠) ، وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، وعنون عليه باباً في كتاب الفتن، فقال: باب لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع بن لكع، ثم قال: ويأتي لهذا الحديث طرق في أمارات الساعة من حديث عمر وأنس وأبي ذر رضي الله تعالى عنهم أجمعين –، وقد ذكر رواياتهم في مجمع الزوائد: (٧٤/٣٢٥-٣٢٦) ، فرواية عمر أخرجها الطبراني في الأوسط بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات، ورواية أنس رواها أيضاً الطبراني في الأوسط ورجال السند رجال الصحيح غير الوليد بن عبد الملك بن مرح، وهو ثقة، ورواية أبي ذر رواها الطبراني في الأوسط أيضاً، ورجال السند وثقوا، وفي بعضهم ضعف ١٠هـ.
واللكع هو: اللئيم، والوسخ، والأحمق، قال النضر بن شُمَيْل: يقال للرجل إذا كان خبيث الفعال شحيحاً قليل الخير: إنه للكوع ١هـ من اللسان: (١٠/١٩٩) "لكع"، وقد فسره الأسود بن عامر أحد رواة الحديث في المسند: (٢/٣٢٦) بالمتهم بن المتهم، وانظر غريب الحديث: (٢/٢٣٣-٢٣٤) ، والفائق: (٢/٤٧٤) ، وقد اعتبر النبي – صلى الله عليه وسلم – من علامة حلول البلاء بالأمة كون زعيم القوم أرذلهم، كما في سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب ما جاء في علامة حلول المسخ والقذف: (٦/٣٦٣) ، عن علي – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً، وقال الترمذي: حديث غريب، ورواه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً أيضاً، وقال إنه غريب، نسأل الله الفرج، وحسن الخاتمة، إنه سميع مجيب.