وقد روي الحديث عن حذيفة بن اليمان – رضي الله تعالى عنهما – بنحو الحديث المتقدم في سنن أبي داود في المكان المتقدم، وفي المسند: (٥/٤٠٦-٤٠٧) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (١/١٤٤) كلهم عن عمر مولى غفرة عن رجل من الأنصار عن حذيفة، وتقدم الكلام في مولى غفرة، والرجل الأنصاري مجهول كما في تهذيب السنن: (٧/٦١) . وروي الحديث أيضاً عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – في سنن ابن ماجه – المقدمة – باب في القدر –: (١/٣٥) ، ومعجم الطبراني الصغير: (١/٢٢١) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (١/١٤٤) والشريعة للآجري: (١٩٠) بزيادة: "وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم" ورجال السند ثقات إلا أن أبا الزبير محمد بن مسلم بن تدردس المكي مدلس كما في التقريب: (٢/٢٠٧) وقد عنعن. وري الحديث عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في كتاب السنة لابن أبي عاصم: (١/١٤٦) بنحو ما تقدم، وسنده ضعيف كما قال الشيخ الألباني في تعليقه عليه. وروي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في كتاب السنةلابن أبي عاصم –: (١/١٥١) والشريعة للآجري: (١٩١) وهو من رواية مكحول عن أبي هريرة، وروايته عنه مرسلة، لأنه لم يسمع عنه كما في تهذيب التهذيب: (١٠/٢٩٠-٢٩٢) وفي بعض أيضاً مع انقطاعه عطاء الخرساني صدوق يهم كثيراً، ويرسل ويدلس كما في التقريب: (٢/٢٣) وقد عَنْعَنَهُ، وفيه أيضاً جعفر به الحارث الواسطي صدوق كثير الخطأ كما في التقريب: (١/١٣٠) ، وانظر الحديث في تاريخ بغداد: (١٤/١١٤) من رواية سهل بن سعد – رضي الله تعالى عنه – ورواه عنه الطبراني في الأوسط واللالكائي في السنة كما في تنزيه الشريعة: (١/٣١٧) وانظره في الميزان: (٤/٣٧٧) ، واللآليء المصنوعة: (١/٢٥٩) . وروي الحديث عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – في المعجم الأوسط للطبراني ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (٧/٢٠٥) ، وانظر ترجمة هارون في تهذيب التهذيب: (١١/١٣-١٤) ولفظ الحديث: "القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم". وهذه الرواية الأخيرة ورد ما يشبهها وبعضها في سنن الترمذي – كتاب القدر – باب ما جاء في القدرية –: (٦/٣٢١) ، وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في الإيمان –: (١/٢٤، ٢٨) ، والشريعة للآجري: (١٤٨، ١٩٣) ، والسنة لابن أبي عاصم: (١/١٤٧، ٢/٤٦١-٤٦٢) ، كلهم عن ابن عباس وزاد ابن أبي عاصم وابن ماجه عن جابر، وزاد الآجري روايته عن أبي هريرة وزاد ابن أبي عاصم ورايته عن أبي يعلى، ورواه عنه إسحاق بن راهُوْيَهْ كما في المطالب العالية: (٣/٨٨) ورواه إسحاق عن أبي بكر – رضي الله تعالى عنه – أيضاً كما في المطالب العالية، وانظره عن معاذ – رضي الله تعالى عنه – في التاريخ الكبير للبخاري: (١/٣٧٥) ، والعلل المتناهية: (١/١٤٤) ، ورواه أبو نُعيم في الحلية عن أنس: (٩/٢٥٤) – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وأمثل طرقه طريق الترمذي وقد حسنه وفي بعض النسخ ضم إلى التحسين الحكم عليه بالصحة فقال: هذا حديث غريب حسن صحيح. انظر الطبعة الحمصية: (٦/٣٢١) ، والمصرية: (٤/٥٤) ، وعارضة الأحوذي: (٨/٣١٦) ، وتنزيه الشريعة: (١/٣١٨) ، وفي سنده علي بن نزار، ووالده نزار بن حيان الأسدي وكل منهما ضعيف كما في التقريب: (٢/٤٥، ٢/٢٩٨) ، ولذلك حكم الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (١٠/١٣٠) عليه بالضعف، ولفظ الحديث: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية". قال عبد الرحيم: وصفوة الكلام أن كلاً من الحديثين لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الرحيم الرحمن، وإليك البيان: أما الحديث الأول: "القدرية مجوس هذه الأمة" إلخ فقد تقدم بيان كثرة طرقه، وغالب تلك الطرق فيها شيء من الضعف إما بسبب الانقطاع، أو بسبب عَنْعَنَةِ المدلسين، وقد أطلق الذهبي في تهذيب السنن: (٧/٥٨) أن حديث ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – روي من طرق ليس فيها شيء يثبت، وقال العقيلي كما في لسان الميزان: (٢/٣٣٢) يروى من طرق ضعاف بغير هذا الإسناد، أي إسناد الحكم بن سعيد المتقدم، ولا يصل الحديث إلى درجة الوضع، أو الترك والنكارة، وما أصاب ابن الجوزي في الحكم على الحديث بالوضع وإيراده في الموضوعات: (١/٢٧٥) والعلل المتناهية: (١/١٤٤-١٥٤) ، لان مجيء الحديث الضعيف من طرق ترفعه إلى درجة الحسن، مع أن بعض تلك الطرق لها تلك الصفة على انفرادها كرواية الإمام أحمد في المسند حسبما رأى الشيخ أحمد شاكر، وكحديث أنس – رضي الله تعالى عنه – عند الطبراني في الأوسط. وعلى التسليم بعدم وصول كل رواية على انفرادها مرتبة القبول فبمجموعها تبلع ذلك بلا ريب، ولذلك تتابع الأئمة الحفاظ على رد كلام الإمام ابن الجوزي، وحكموا على الحديث بأنه في درجة الحسن على أقل تقدير، فالإمام السيوطي ينقل عن الحافظ صلاح الدين العلائي تحسين الحديث ويقره على ذلك قال في اللآليء المصنوعة: (١/٢٥٨-٢٥٩) ما حاصله: قال الحافظ العلائي: إخراج ابن الجوزي الحديث في الموضوعات ليس بجيد، لأن له طرقاً أخرى لا يحكم عليها بالوضع، فلا فائدة إذن في إخراجه في الموضوعات، لأنه يوهم أن الحديث من أصله موضوع، وليس كذلك، وهكذا إخراجه هذا الحديث في كتاب الأحاديث الواهية، لأنه ليس كذلك بل ينتهي بمجموع طرقه إلى درجة الحسن الجيد المحتج به إن شاء الله تعالى ١هـ ونص الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المصابيح: (٣/١٧٧٩) على أن الحديث من شرط الحسن ١٠هـ ونقل الحافظ ابن عَرَّاق كلام الحافظ العلائي المتقدم وأقره في تنزيه الشريعة: (١/٣١٧) – الفصل الثاني من كتاب السنة – وحكم الشيخ الألباني بحسنه في تعليقه على أحاديث المشكاة: (١/٣٨) ١٠٧، وحكم عليه بالحسن، وبالصحة أيضاً في تعليقه على كتاب السنة لابن أبي عاصم: (١/١٥٠، ١٥١) . وهكذا حال الحديث الثاني: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب" إلخ فقد تقدم تحسين الترمذي له، بل وتصحيحه في بعض النسخ، ومع التنبيه على وجود راوٍ فيه فيه ضعف، ولعل حكم الترمذي عليه بالحسن هو الصواب، وذلك لكثرة طرقه كما هو مقرر عند أولي الألباب، وما حالف ابنَ الجوزيِّ الصوابُ في إيراده الحديث في العلل المتناهية – المكان السابق – ولذلك رد عليه الحافظ العلائي كما في تنزيه الشريعة – المكان المتقدم أيضاً – وأقر ابن عَرَّاق ذلك، وحاصل الكلام: أن تحسين الترمذي ووجود المتابعات له تُخرجه عن كونه موضوعاً أو واهياً ١هـ ثم نقل ابن عراق عن الحافظ العراقي الحكم على الحديث بالحسن ١هـ وهكذا مال الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المصابيح: (٣/١٧٧٨) إلى تحسين الحديث، وذكر أن الخبر إذا جاء من طريقتين قوى أحدهما بالآخر، ومن ثم حسنه الترمذي ١هـ. والحكمة من قرن القدرية بالمرجئة ما قاله الإمام ابن العربي – رحمه الله تعالى - في العارضة: (٨/٢٩٧) من أن القدرية أبطلت الحقيقة، والمرجئة أبطلت الشريعة ١هـ ولشيخ الإسلام – عليه الرحمة والرضوان – كلام محكم متين في حكمة اقتران القدرية بالمرجئة الزائغين، وعبارته في مجموع الفتاوى: (٨/١٠٥) قرنت القدرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف، وروي في ذلك حديث مرفوع، لأن كلاً من هاتين البدعتين تفسد الأمر والنهي، والوعد والوعيد، فالإرجاء يضعف الإيمان بالوعيد، ويهون أمر الفرائض والمحارم، والقدري إن احتج كان عوناً للمرجئي، وإن كذب كان هو والمرجئي قد تقابلا، هذا يبالغ في التشديد حتى لا يجعل العبد يستعين بالله على فعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه، وهذا يبالغ في الناحية الأخرى ١٠هـ.