للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أولى سلفنا الأبرار تهذيب الكتب، وتحرير المصنفات عناية عظيمة، فالإمام الشافعي - عليه رحمة الله تعالى - يقول: إذا رأيتم الكتاب فيه إلحاقٌ وإصلاحٌ فاشهدوا له بالصحة (١) . وعقد الإمام ابن عبد البر - عليه رحمة الله تعالى - في كتابه جامع بيان العلم وفضله، باباً بهذا الخصوص فقال - باب معارضة الكتاب - ونقل فيه بسنده عن هشام بن عروة قال: قال لي أبي: يا بني أكتبت؟ قلت: نعم، قال: عارضت؟ قلت: لا، قال: لم تكتب، ثم ساق ابن عبد البر بسنده إلى الأوزاعيّ ويحيى بن أبي كثير - عليهم جميعاً رحمة الله تعالى - أنهما قالا: مثل الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يدخل الخلاء ولا يستنجي (٢) .

والذي دفع السلف الكرام إلى تلك العناية العظيمة بمعارضة المصنفات وتحريرها، هو تلافي القدر الأكبر من الأخطاء بحيث يعز بعد ذلك وجود مالا يحمد في الكتاب وتصل درجته إلى الندرة، إذ قلما يسلم كتاب من خطأٍ، والكريم من عدت سقطاته كما قال الأحنف بن قيس (٣) - عليه رحمة الله تعالى - وقال الإمامان المزني، ومَعْمَر - عليهما رحمة الله تعالى - لو عورض كتاب سبعين مرة - وقال معمر: مائة مرة لوجد فيه خطأ (٤) .


(١) انظر آداب الشافعي ومناقبه للإمام ابن أبي حاتم الرازي: (٣٤) .
(٢) انظر جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: (٧٧-٧٨) .
(٣) انظر مُوضِّح أوهام الجمع والتفريق: (١/٦) ويقرر هذا الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (٣/٢٢٥) فيقول: من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته.
(٤) انظر قول المزني في موضح أوهام الجمع والتفريق - (١/٦) ، وقول معمر في جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: (١/٧٨) ، وفي رد المختار: (١/١٩) : وقال المزني: قرأت كتاب الرسالة على الشافعي ثمانين مرة، فما من مرة إلا وكان يقف على خطأٍ، فقال الشافعي: هيه أبى الله - جل وعلا - أن يكون كتاباً صحيحاً غيرُ كتابه.