للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

[معنى قول النبي - عليه السلام -: لن ينجي أحد منكم عمله]

وأما قول النبي - عليه السلام -: «لن ينجي أحدا منكم عمله» (١) فله عندنا معنيان (٢):


(١) تقدم.
(٢) قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (١/ ٨): وأحسن من هذا أن يقال الباء المقتضية للدخول غير الباء التي نفى معها الدخول.
فالمقتضية هي باء السببية الدالة على أن الأعمال سبب للدخول مقتضية له، كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها.
والباء التي نفى بها الدخول هي باء المعاوضة والمقابلة، التي في نحو قولهم: اشتريت هذا بهذا.
فأخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة، فليس عمل العبد وإن تناهى موجبا بمجرده لدخول الجنة ولا عوضا لها.
فإن أعماله وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه فهي لا تقاوم نعمة الله التي أنعم بها عليه في دار الدنيا ولا تعادلها، بل لو حاسبه لوقعت أعماله كلها في مقابلة اليسير من نعمه، وتبقى بقية النعم مقتضية لشكرها فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم له، ولو رحمه لكانت رحمته خيرا له من عمله، كما في السنن من حديث زيد بن ثابت وحذيفة وغيرهما مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: إن الله لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم.
قال ابن حجر في الفتح (١١/ ٢٩٦): وقال ابن الجوزي: يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة:
الأول: أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة.
الثاني: أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله.
الثالث: جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات بالأعمال. =
= الرابع: أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد، فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الأعمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>