الباب الثاني: في تكليف الجن في الأمم الخالية قبل الإسلام.
يدل على أن الجن متعبدون بالشرائع ومكلفون العمل بها في الأمم السالفة قبل الإسلام ما نذكره.
فمن ذلك قول الله تعالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}[الأحقاف: ١٨].
فأخبر أن في الأمم الخالية قبل هذه الأمة من حق عليه القول، أي: وجب عليه العذاب من الجن والإنس وأنهم خاسرون، ولا يكون ذلك إلا في أهل التكليف المستوجبين العقاب بأعمالهم، ولهذا قال متصلا بالآية:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا}[الأنعام: ١٣٢] أي: لكل (١) صنف درجات مما عملوا في الخير والشر فيوفى ذلك لهم ولا يظلمون في الحساب عليه.
وإذا امتحنت لهم تلك الأعمال في القيامة دل ذلك لا محالة على أنهم كانوا متعبدين بها في الدنيا، إذ من ليس بمكلف لا يلزمه حساب ولا يلحقه عقاب على ما تقدم.
ومن ذلك أيضا قول الله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ