للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وأما كون الجن أمة عاقلة مميزة فيدل على ذلك أن إبليس إمامهم وزعيمهم عبد الله تعالى أولا مع الملائكة، ولا يفعل ذلك إلا من يعقل العبادة، ثم لما كفر واستكبر كانت مخاطبته لله سبحانه (١) في امتناع السجود مخاطبة من يعقل السجود، وامتثال الأمر والمخالفة بالمعصية كما نطق به القرآن.

وقبيله من الجن وذريته يكونون لا محالة مثله في فهم الخطاب والمعرفة بمواقع الكلام.

يدل على ذلك أن الله تعالى سخرهم لسليمان (ق.١٤٧.أ) - عليه السلام - فكان له منهم البناءون والغواصون وغيرهم، وأخبر سبحانه بعملهم لسليمان فقال: {َيعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} [سبأ: ١٣].

ومثل هذه الأفعال لا تصدر إلا من عاقل مميز عارف بما يتناوله.

ويدل على ذلك أيضا أن الجن كلفوا العمل بالشرائع التي يلزم عن امتثالها بالوقوف عند أوامرها ونواهيها الجزاء بالثواب والعقاب، ولا يصح أن يتوجه الخطاب بالتكليف إلى غير عاقل أصلا، كما ثبت في الأصول.

وسنقرر في الباب الثاني والثالث تكليف الجن بحول الله.


(١) في (ب): تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>