للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبقى الإشكال في قول الله تعالى لنبيه - عليه السلام - في حق هذه الطائفة الرابعة عندما سأله الشفاعة فيهم: «ليس ذلك لك» من حيث إن ظواهر الأحاديث تقتضي عموم شفاعته - عليه السلام - لجميع المذنبين من أمته، وهذا القول يعارض تلك الظواهر.

*- (معنى قوله تعالى: ليس ذلك إليك) (١)

ونحن نجيب عن هذا الإشكال بحول الله، فنقول: سؤال النبي - عليه السلام - الشفاعة لمن قال لا إله إلا الله فقط يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون ذلك في أمته.

والثاني: أن يكون في غير هذه الأمة من الأمم السالفة.

فإن قلنا: إنه قصد بذلك أمته فالكلام عليه بحسب التأويلين المتقدمين، فإن أحدهما هو أن يحمل الإيمان في الثلاثة الأحوال على الفروع، وشهادة أن لا إله إلا الله على مجرد الإيمان.

فعلى هذا يكون معنى «ليس ذلك إليك» أي: ليس إليك علم ما في القلب، وإنما إليك علم الظواهر (٢)،

ويكون أولئك الأولون (ق.٤٤.أ) عندهم من


(١) هذا العنوان زيادة مني.
(٢) قال الحافظ في الفتح (١١/ ٤٥٦): قال البيضاوي: وقوله: «ليس ذلك لك»، أي: أنا أفعل ذلك تعظيما لاسمي وإجلالا لتوحيدي، وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة الآتي: «أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا».
قال: ويحتمل أن يجرى على عمومه ويحمل على حال ومقام آخر. ... =
= قال الطيبي: إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة، وما يختص برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع.
قلت: ويحتمل وجها آخر وهو أن المراد بقوله "ليس ذلك لك" مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة، وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين فأجيب إلى أصل الإخراج ومنع من مباشرته فنسبت إلى شفاعته في حديث "أسعد الناس" لكونه ابتداء بطلب ذلك والعلم عند الله تعالى. انتهى قول ابن حجر.
قلت: أقوال العلماء المتأخرين في باب الإيمان تميل إلى أصول المرجئة, والقول بشمول الشفاعة لمن ليس معه إلا مجرد التصديق, ويقصدون به المعرفة المجردة عن أعمال القلوب والجوارح, وهو ما عبر عنه الطيبي بالتصديق المجرد عن الثمرة, قول يرجع إلى أصول جهم بن صفوان. وهو ما عبر عنه عقيل القضاعي بمجرد الإيمان، والإيمان المجرد.

ومثل هذا الإيمان لا حقيق له، وقد اشتد نكير السلف لقول جهم هذا. والإيمان عندهم اعتقاد وقول وعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>