للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدل على ذلك قوله في الحديث الصحيح (١): «أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» , إذ الظاهر من هذا أن الاستغفار منه - عليه السلام - لأبي طالب كان واقعا لأجل القسم, ويحتمل استغفاره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له وجهين:

أحدهما: أن يكون النبي - عليه السلام - لا علم له حينئذ بأن من هو مشرك لا تناله المغفرة، إذ يجوز الغفران لكل مشرك على الإطلاق أو لبعض المشركين ممن كان له أثر حسن, مثل أبي طالب.

وأعني بقولي: "يجوز" الجواز العقلي, إذ ليس في العقل ما يقضي بأن المشرك لا يغفر له، لاسيما والنبي - عليه السلام - قد نزل عليه بمكة قول إبراهيم: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: ٨٦]. فانضاف هذا الدعاء من إبراهيم إلى كون الغفران جائزا في العقل فاستغفر النبي - عليه السلام - لعمه من أجل ذلك.

ويكون هذا هو الحامل له على أن يستأذن في الاستغفار لأمه, وعلى هذا يدل ما مضى من التفسير عن ابن عباس وغيره, إذ قالوا: إن النبي - عليه السلام - انتهى عن ذلك لما نزلت عليه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١١٣] الآية, والسورة مدنية.

الوجه الثاني: أن يكون - عليه السلام - يعلم حين الاستغفار أن المغفرة لا تنال المشرك, لكن يكون قصده من الاستغفار تخفيف العذاب, ويكون سبب إقدامه عليه كونه لم ينه عنه, مع ما أنزل عليه من استغفار إبراهيم لأبيه (٢)


(١) هو طرف من حديث المسيب بن حزن في قصة وفاة أبي طالب، وقد تقدم.
(٢) من: "مع ما أنزل" إلى هنا سقط من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>