والاحتجاج بهذه الآية قوي فيما أردناه منها، إذ فيها القَبْلية بقوله: وكانوا من قبل, يعني قبل الإسلام, ولعل ذلك كان من اليهود في حال صغر النبي - عليه السلام - أو قبل ولادته، فتسميتهم أعني أهل الجاهلية بالكفار متمكن في الباب.
وقد قلنا إن هذه الآية أجلى من سائر الآيات المتقدمة، إذ من ليس بمنصف قد يتعسف في تأويل تلك الآيات ويزعم أن المشركين الذين عُنوا بها هم الذين قامت عليهم الحجة بالإسلام, وأن تسميتهم بالكفار إنما كان لتوقفهم عن الإسلام من أول المبعث، ويتكلف ما عسى أن يرد به تأويلنا هنالك في بعض ما قلناه.
وأما هذه الآية التي ذكرناها آخرا, وهي قوله:{وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}[البقرة: ٨٩] فليس عند المتعسف فيها ما يصنع, إذ لابد أن يكون المستفتِحون خلاف المستفتَح عليهم ضرورة, فالمستفتحون هم أهل الكتاب العارفون بأن نبيا يبعث, وهم المذكورون في قوله: فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وسيكون المستفتَح عليهم غيرهم لا محالة, وإذا كانوا غيرهم فلا يخلو أن يكونوا أهل يثرب (ق.١١٧.ب) المجاورين لهم أو من سواهم (١) من سائر العرب المارين بهم.
وكيف ما كان فقد سموا بالكفار في الجاهلية, وذلك هو مقصدنا الذي أردنا تبيينه.