كتاب تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل

القسم الثاني: في الكلام على الجن - الباب الأول: في وجود الجن وكونهم من أهل العقل والتمييز - ج: 2 - ص: 733

طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠٠ - ٢٠١].

وهذا كله يدل على أن الله تعالى جعل للجن بعد إيجادهم قوة يتوصلون بها إلى تزيين المعاصي (ق.١٤٤.ب) لبني آدم وقذف البلايا في نفوسهم، كما جعل لهم تأثيرا في المصروع، فقال: {كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: ٢٧٥]، فذكر أن الذي يتخبط من الناس إنما يكون بالمماسة له من الشيطان المسلط عليه.

وقد أخبر سبحانه (١) أن الجن قبيل لإبليس، وأنهم يرون بني آدم دون أن يروهم فقال: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧].

وكذلك أخبر تعالى أن لهم ذرية بقوله: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي} [الكهف: ٥٠]، وهذا يدل على أنهم يتناكحون ويتناسلون.

ويدل على ذلك أيضا قول النبي - عليه السلام -: «ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن»، فقالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم» (٢).

---

(١) ليست في (ب).
(٢) رواه مسلم (٢٨١٤) وأحمد (١/ ٣٨٥ - ٣٩٧) وابن خزيمة (٦٥٨) وابن حبان (٦٤١٧) والدارمي (٢٦٣٤) والطبراني في الأوسط (٢٥٩٣) عن ابن مسعود. ... =
= ورواه مسلم (٢٨١٥) والنسائي (٧/ ٧٢) وأحمد (٦/ ١١٥) والحاكم (١/ ٣٥٢) عن عائشة بمعناه.