للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبادئ التي تزعم أنها إنسانية، لتكون الشعوب مؤهلة فكرياً ونفسياً لتسليم قيادهم طائعة مختار لأعدائها، في غزو مادي لا يحمل الغزاة فيه سلاحاً، ولا يكلفهم قتالاً.

لقد أدركوا بعد التجارب الطويلة أن الغزو المادي قبل الغزو الفكري والنفسي والخلقي يولد في الشعوب رد فعل عنيف، يحمي أكثريتها من تقبل الغزو بكل أنواعه، لما فيه من العداء السافر، والتسلط بالقهر والغلبة المكروه للنفوس، حتى إذا تحركت كوامن النهضة في الشعوب، وواتتها الفرصة، ردت الغزاة على أعقابهم، وكان عمر الاحتلال في البلاد قصيراً، في حساب تاريخ الشعوب، مهما عظمت فيها قلاعه، وتكاثرت فيها جيوشه.

والغزو الجديد الفكري والنفسي والخلقي الذي خططوا له يحمل في ثناياه أفدح الأخطاء على كيان الشعوب الإسلامية، ووحدتها وأسس مجدها، ويجعلها طعمة سائغة يزدردها العدو دون أن يجد من ذلك غصَّةً في حلقومه، كما يفقدها كل مقوم من مقوماتها الإنسانية الراقية، التي بها كانت خير أمة أخرجت للناس، ويجعلها كبقرة حلوب، تُعلفُ بمقدار ما تستثمر من لبن أو لحم أو حرث.

وما دام الإنسان إنساناً فإن معظم تصرفاته خاضعة لإرادته، وإرادته خاضعة لمفاهيمه في الحياة خيراً كانت هذه المفاهيم أم شراً، وقد أدرك المخططون للغزو الجديد أن المكر والحيلة أجدى في الإنسان من أية وسيلة، وأن القوى المختلفة التي في أيدي المسلمين يمكن بالمكر والحيلة أن تسخر ضدهم، وذلك إذا تحولت أفكارهم عن مفاهيم إسلامهم، وفسد منطقهم وإدراكهم للأمور، وغدت تصوراتهم تخدم أغراض عدوهم منهم، وانتهى المخططون إلى أن وضعوا لأنفسهم القاعدة التالية: " إذا أرهبك سلاح عدوك فأفسد فكره، ينتحر به " وكذلك فعلوا وكذلك يفعلون باستمرار في الشعوب الإسلامية. وكلما استجمعت هذه الشعوب شيئاً من قوتها، وأبصرت مراكز عدوها، وأرادت أن ترفع رأسها إلى المجد مكر بها أعداؤها وأعداء دينها، فأفسدوا لديها جانباً من جوانب الفهم السليم للأمور، والفكر الصحيح في معالجة المشكلات الكبرى،

<<  <   >  >>