للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتظاهر هؤلاء المستشرقون بثياب الناصحين الشرفاء، إذ زعموا أنهم يريدون للأمة الخير، إذ أن فتح الباب للكتابة بالعامية سيطلق في الأفراد حوافز الاختراع والابتكار، دون أن تقف الضوابط والقواعد التي تشتمل عليها العربية الفصحى عائقاً في طريق تسجيل أفكارهم ونشرها، إلى غير ذلك من هذه المزاعم المغلَّفة بالمكر الشديد، والتي لا تستطيع أن تقف على أرجلها أمام مناظر جدية مخلصة، كما أنها لا تستطيع أن تحقق نفسها لدى التطبيق الفعلي.

فلكل أمة لغة راقية تسجل بها معارفها وعلومها وأفكارها، وهي لا تخلو من بعض الضوابط اللغوية التي تهيئ للمعاني أن تكون مصونة عن التحوير ضمن الألفاظ الكلامية التي تدل عليها، ولها أيضاً لغة دارجة سهلة لينة على الألسنة، يتخاطب أفرادها بها في شؤونهم اليومية، فإذا أرادوا تسجيل شيء من ذلك صاغوه باللغة الراقية المنضبطة، التي تحميها القواعد عن الاختلاف في المعاني.

وهذا لون حضاري رفيع من ألوان الحضارة التي تكسب الأمم مجداً لغوياً راقياً.

[(٤) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى]

أ- أول من حث على التحول عن الكتابة باللغة العربية الفصحى إلى الكتابة بالعاميات الإقليمية داخل البلاد العربية، المستشرق الألماني الدكتور "ولهلْم سبيتا" وقد كان مديراً لدار الكتب المصرية خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، في كنف الاحتلال البريطاني ففي سنة (١٨٨٠م) وضع في ذلك كتاباً سماه "قواعد اللغة العربية العامية في مصر" وقد أورد في هذا الكاب نبذة عن فتح العرب لمصر في سنة (١٩هـ) وانتشار لغتهم بين أهلها، وقضائها على اللغة القبطية، لغة البلاد الأصلية حسبما يرى، والتي لم يبق من آثارها سوى بعض المفردات، وحاول في هذا أن يثير

<<  <   >  >>