وكان لهذه الرذائل من الغالبين ردود أفعال مماثلة من المغلوبين، وكانت ردود الأفعال هذه في أول الأمر أسلحة مضادة، قاومت بها الشعوب سياسة المستعمرين، ومع طول العهد وكثرة الممارسة صارت ردود الأفعال عادات مكتسبة، وسرى داء الانحرافات الخلقية فتمكن من النفوس، وسيطر على كثير من ظواهر السلوك.
وحل أسلوب الكذب محل خلق الصدق، وأسلوب الخيانة محل خلق الوفاء بالعهد، وأسلوب الإخلاف بالوعد محل الصدق فيه، وأسلوب الرشوة لشراء الضمائر محلّ التعامل بالحق والعدل، إلى غير ذلك من أمور كثيرة من هذا القبيل.
وفشا الداء من الدوائر الحكومية إلى المشتغلين بالسياسة، ثم إلى الأسواق التجارية، ثم إلى داخل الأسر، وإلى العلاقات المادية والأدبية بين الأفراد، حتى غدت التربية التي ينشأ عليها الأطفال تعتمد على كثير من هذه الأساليب غير الأخلاقية، وبدأت الأجيال تكتسب من بيئتها هذه الانحرافات، وتمارسها في حياتها، وفقدت هذه الشعوب كنوزاً عظيمة من كنوز الأخلاق الكريمة التي توارثتها كابراً عن كابر، وعمل الإسلام على تأصيلها في نفوسهم وفي أعمالهم.
إن الهدم سهل ونتائجه سريعة، ولكن الصعوبة كل الصعوبة في البناء.
* * *
[الوسيلة الثانية عشرة: استخدام الفكر الإلحادي]
على الرغم من أن أجنحة المكر الثلاثة تسير على خط معارض لخط الفكر الإلحادي، فإنها لم تجد بأساً بنشر الفكر الإلحادي الذي تحمل لواءه المادية الشيوعية، لإفساد الشعوب الإسلامية في عقائدها وأخلاقها وآدابها وسائر أنواع سلوكها في الحياة.