قد يبدوا هذا عجيباً في أساليب من ينتسبون إلى دين سماوي، ويبشرون به بين الناس، ولكن الواقع قد أثبته، ومبرِّره لديهم أن المسلمين لا يمكن أن يرتدوا عن دين الإسلام الحق، ليدخلوا في أديان محرفة جاء الإسلام فكشف زيف تحريفاتها، وإنما يمكن أن يرتدوا عن الإسلام إلى الإلحاد المطلق، والكفر بكل دين، وهذه مرحلة ترضي أجنحة المكر الثلاثة، لأنها تزيح من طريقهم منافسين خطيرين يحملون ديناً حقاً تقبله العقول والنفوس.
ومكنت أجنحة المكر الثلاثة لدعاة الإلحاد أن ينتشروا بين المسلمين، وكان ذلك في بعض الأحايين عن اتفاق معهم، وكان في أحايين أخرى بتدبير منهم واستئجار عناصر لبث الإلحاد، يضاف إلى ذلك إغضاؤهم عن تحركات الشيوعيين، وهم خصومهم لتحقيق هذه الغاية، وفي المراحل الأخيرة ظهر اتفاق ضمني بين المعسكرين المتناقضين في العالم، على نشر الإلحاد بين الشعوب الإسلامية، والعمل على تحويل هذه الشعوب عن أخلاقها وآدابها وفضائل أعمالها.
من الواضح أنه متى قطعت الصلة بين الإنسان وبين الغاية المثلى من وجوده في هذه الحياة أمسى مادياً أنانياً دنياوياً صرفاً، وهذه المادية التي لا تخشى الله يرافقها باستمرار بواعث الجريمة، لتلبية مطالب النفس وأهوائها وشهواتها.
وحين وجد قادة المذاهب السياسية المادية في الأرض الذين يحاولون فرض سلطانهم المباشر أو غير المباشر على كثير من الشعوب أن طريقهم إلى غايتهم هذه مملوءة بالعقبات الأخلاقية، السائدة في معظم المجتمعات الإنسانية، عمدوا إلى إلغاء فكرة المبادئ الأخلاقية، واعتبارها خرافة من الخرافات السائدة، واستحدثوا نظرية الأخلاق المتطورة التي لا ثبات لها في مفاهيم الناس وأعرافهم، وبعد هذا وجدوا أن المبادئ الأخلاقية متمكنة في نفوس الناس نظراً إلى ارتباطها بعقيدة الجزاء الرباني، التي أملتها تعاليم الأديان الإلهية، فعمدوا إلى إنكار عقيدة الجزاء، ثم إلى إنكار الخالق جل وعلا، لأن الإيمان بالله وفق العقائد السليمة لا بد أن يستدعي في نفس المؤمن الاتجاه نحو الحق والخير والفضيلة، والإيمان بحكمة الله وعدله وجزائه.