وكان لهذا الغزو الشيطاني الخبيث أثره البالغ، وقطف أعداء الإسلام من ثمره، ووهنت قوة المسلمين، وتشتت شملهم، واستجاب كثير من أبناء المسلمين لوساوس الغزاة ودسائسهم، فاتبعوهم في كثير من أفكارهم، ونظم حياتهم وطرائق عيشهم وأخلاقهم وعاداتهم.
ويتابع أعداء الإسلام عمليات هذا الغزو الشيطاني الخبيث، بغية القضاء على الإسلام، وتحويل المسلمين عنه تحويلاً تاماً، ومن وسائلهم تحريف الحقائق الإسلامية وتشويهها، وتزيين زيوف الأفكار الغازية وتحسينها.
وكان ما بذله أعداء الإسلام من جهود يكفي لتحقيق ما جعلوه هدفاً لهم، لولا أن الإسلام حق من عند الله، ولولا أن الله عز وجل يصونه من أعدائه ويحميه باستمرار، وذلك بما يقيض له من رجال يحافظون عليه ويدافعون عنه، لا يضرّهم من خالفهم.
ألا وإن من واجب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتنبهوا إلى هذا الغزو المركز على عقولهم وقلوبهم ونفوسهم أفراداً وجماعات، ويفيدوا من خطط أعدائهم، ويحملوا أفكارهم ومعارفهم الحقة إلى العالم أجمع، وليس عليهم في إقناع الناس بالإسلام كبير عناء، يكفيهم أن يعرضوا تعاليمه عرضاً منطقياً ميسراً بألسنتهم وأقلامهم، وأن يلتزموا بمنهج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن يحملوا أنواره بأعمالهم وتطبيقاتهم، ويخلصوا لله في أقوالهم وأعمالهم، وما أسرع ما يقطفون ثمرات جهودهم وافرة بإذن الله تعالى، وتوفيقه ونصره المبين.
* * *
[(٣) تاريخ ظاهرة الغزو الفكري]
بدأت ظاهرة الغزو الفكري للإسلام والمسلمين منذ فجر الإسلام، وكان دهاة هذا الغزو الماكر الخبيث من اليهود.