للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يقتصر أعداء الإسلام على أن يبقى الخلاف السياسي مهما اتسع ضمن حدوده السياسية , بل عملوا على أن ينقلوه من دائرة خلاف سياسي يطويه الزمن , إلى خلاف اعتقادي وديني تتوارثه الأجيال , ويأخذ مع الزمن صبغة خلاف طائفي يستعصي دفعه , ويتعذر رفعه , وذلك إمعاناً منهم في متابعة مكرهم بالإسلام والمسلمين.

ومن آثار هذه الخطة الماكرة بدأ الخلاف بين مستحقي الخلافة من آل البيت , وبين الظافرين بالحكم من الأمويين , ولقد كان من الممكن أن تضيق دائرة هذا الخلاف , ويتجه المسلمون كلهم إلى واجبات نشر الإسلام في الأرض , ولكن أصابع الفتنة المندسة لم تدع الجرح السياسي يلتئم , وإنما عملت على أن تغذيه باستمرار بجراثيم الإفساد، وتحشد مندسيها في كل من أنصار الفريقين المتنازعين , كي يعمل هؤلاء المندسون على إغراء الجهة التي يظهرون الولاء لها بالإفراط في عداوة الجهة الأخرى , وقتالها والانتقام منها , وما زالوا يعمقون هذا الخلاف السياسي حتى جعلوه خلافاً في أصل العقيدة الدينية , الأمر الذي تولد عنه خلاف آخر في المذاهب الفقهية , ومع رغبتهم الشديدة بتعميق الخلاف , وتوسيع الشقة , عملوا على تغيير ما استطاعوا تغييره من أسس ليس من شأنها أن يكون فيها تنازع أو خلاف مطلقاً , ولكن المكيدة المبيتة كانت ترمي إلى تمزيق وحدة المسلمين , وطعن الإسلام في الصميم , لذلك كان جنودها يعملون في الخفاء عملاً دائباً لتحقيق هذه الغاية.

ولما استطاعوا أن يصلوا إلى التلاعب بالأسس نشط زبانيتهم في استحداث الفرق الكثيرة , ضمن الجهة التي ظفروا بأن تكون واثقة بهم , وأخذوا يشققونها , ومع كل تشقيق جديد توغل في الانحراف عن العقيدة الإسلامية , حتى استطاعوا أن يصلوا في بعض أطراف التشقيق إلى مرتدين عن كل العقيدة الإسلامية , كافرين بكل ما جاء فيها , أكثر ولاء لغير المسلمين منهم للمسلمين الذين يزعمون أنهم فرقة منهم.

الطائفي لما كان عليه الآباء والأجداد.

ومهمة الإصلاح اليوم يتحملها القادة المصلحون الصادقون في جميع الفرق , فيجب عليهم أن يبصروا أتباعهم بالحقيقة , لينقذوا أنفسهم من الكيد المدبر لهم ولغيرهم على السواء , وإنها لمسؤولية كبيرة ملقاة عليهم , سيُسألون عنها بين يدي الله يوم القيامة , وسيحاسبون على تقصيرهم فيما يجب عليهم تجاه ربهم , وتجاه دينهم , وتجاه الأمة الإسلامية التي مزقتها دسائس الأعداء.

ولو عرفت هذه الفرق المنشقة أنها وقعت في فخ أعداء الإسلام من حيث لا تشعر , وانحرفت بتأثير ألاعيبهم الماكرة المقنعة , لاهتدى كثيرون منها إلى

<<  <   >  >>