بثها طائفة من المستشرقين الاستعماريين، وما يزالون يدفعون إلى تبنيها عدداً من أجرائهم أو السائرين في أفلاكهم من المستغربين؟!
مع أن في اللغات العالمية الأخرى صعوبات وشذوذات عن القواعد القياسية لا تقل عما في اللغة العربية الفصحى، ثم لا نجد أحداً من الشرقيين أو المستشرقين ولا من الغربيين أو المستغربين ينادي بإصلاح تلك اللغات، أو تغيير شيء من قواعدها وأصولها المتبعة، ومن الثابت أن في هذه اللغات عاميات يجري بها حديث الناس في شؤونهم العامة، وفيها إلى جانب ذلك لغة راقية منضبطة يكتب بها العلماء والأدباء، ويسجلون بها آثارهم التي يريدون لها أن تكون خالدة.
وقواعد كل لغة هي القوانين التي يجب اتباعها، للدلالة على المعاني التي يريدها من أراد النطق أو الكتابة بتلك اللغة، ولتأليف الكلام في كل لغة نظام خاص لا يجوز الإخلال به، ولا يكون الكلام مفهوماً ولا مصوراً للمراد حتى يكون متقيداً به غير زائغ عنه، وأية محاولة لتغيير هذه القوانين اللغوية المتبعة في أية لغة، لا تخلو عن أن تكون عملية اختراع لغة جديدة، اختراعاً كلياً أو جزئياً، وقد يكون أمر اختراع لغة ما حدثاً من الأحداث التي تقذف نفسها إلى ميادين التجربة في حياة الناس، لولا ارتباط الناس بتاريخ حضاري عملي صنعته آلاف الملايين من الآباء والأجداد، ولولا ارتباط لغتهم الموروثة بأهم الأحداث العظيمة التي تربط الناس بخالقهم، إذ اختارها لإعلامهم بدينه وشرائعه وعظاته وأخباره عن أحداث النبوات والرسالات الأولى.
وهدم هذه اللغة تصميم على تنفيذ مؤامرة الزيغ عن دين الله ورسالته الخالدة لخلقه، وتحويل للأمة العربية عن مكان القيادة في مجال الدعوة إلى دين الله، وبيان رسالة الإسلام للناس، وقذف بها إلى مؤخرة الأمم، حيث تجد نفسها مضطرة إلى أن تتلقف صدقات الناس، بعد أن تركت كنوزها، إذ يكون عليها حينئذ أن تدفع ضريبة الحماقة التي سلكتها مهانة وفقراً وذلاً، وأن تقف بين الأمم الأخرى موقف الأيتام على موائد اللئام.