وهكذا سرى الداء وانتشر، ونجم عنه سيئات اجتماعية كثيرة، هضمت فيها حقوق كثيرة، وتحولت فيها وسائل كسب المال عند كثيرين من الوجوه المشروعة إلى الوجوه المحرمة، واضطرت سلطات كثيرة قضائية وإدارية أن تسكت عن المجرمين ذوي النفوذ، لانغماسها بمثل جرائمهم، أو بما هو شر منها.
وقد رأينا أن السلطات الاستعمارية قد سهلت سبيل اختلاس الأموال العامة، ثم استخدمت ذلك سلاحاً فعالاً لتنفيذ أغراضها في البلاد، وذلك بأن تشعر المختلسين بأنهم على بوابة الإدانة القضائية والفضيحة العامة، وبأنهم لا يستطيعون أن يستروا أنفسهم ويتابعوا إشباع مطامعهم الخاصة ما لم يحققوا لهذه السلطات مطالبها في البلاد، ويخدموا مصالحها بإخلاص، وقد كان للسلطات الاستعمارية في نشر هذه السيئة الاجتماعية ميدان واسع، وقد استدرجت إليها كثيراً من ذوي النفوذ، وكان لها في ذلك عدة أغراض:
١- فمنها تسخير الذين انطبق عليهم الفخ في تحقيق أهداف الأعداء الغزاة.
٢- ومنها إفساد أخلاق المجتمع الإسلامية، حتى تنحل عُراه، ويتناثر عقده.
٣- ومنها إضعاف ثقة الأمة المستعمرة بنفسها وبصلاحيتها لحكم نفسها بنفسها.
وقد عمل الأعداء الغزاة أيضاً على دعم الاحتكارات المحرمة، والتغاضي عن كل وسائل الكسب غير المشروع، حتى يهيئوا لأنفسهم داخل البلاد طبقة من المنتفعين ترى أن استمرار منافعها رهن باستمرار سلطان هؤلاء الغزاة، لذلك فهي مدفوعة بدافع المنافع المادية إلى دعم وجودهم في البلاد، وتهيئة الاستقرار لهم.
ومن أخطر ما شجع عليه الغزاة الاستعماريون تهريب المحظورات الدولية، كالمخدرات، وذلك بالتغاضي عنها، وقبول الرشوات فيها، والمشاركة السرية في تجارتها المحرمة، ثم العمل على نشر تعاطيها بين الناس، بغية إماتة