لو لبث أصحاب الكلمات قروناً يمتدحون النظام الإسلامي المتعلق بشؤون المال، في حال أنهم يخالفونه في التطبيق، أو يجاملونه مجاملة صورية لا تنفذ إلى أعماق مشكلة الحياة التي يعيشها الناس، أو ينافقون له ببعض أعمال طفيفة يؤدونها، وأجسامهم إليها ثقيلة، ونفوسهم بها شحيحة، فإنهم لن يستطيعوا أن يدخلوا إلى قلوب الناس بأقوالهم المجردة عن الأعمال، ولن يستطيعوا أن يملكوا مشاعرهم ما دامت مشكلة العيش تنهش في بطونهم، وتغلي في أكبادهم، ولن يستطيعوا أن يقفوا في وجه الغزو الفكري الذي يحمل إليهم المذاهب الاقتصادية المعادية للإسلام، القادمة من وراء الحدود، والتي تمنيهم بالأماني العريضة، وتضع على بوابة الطريق الذي تدعوهم إليه أقواس الورد والريحان، وتفرش مقدمته بالخمائل الزمردية. ومهما يكن وراء هذه الخمائل الخادعة من جوع وظمأ وأسر وعذاب، فإن كلمة التحذير وحدها لا تكفي لردهم عن دخول هذه البوابة المغرية، ما دامت مشكلة العيش تنهش في بطونهم، وتغلي في أكبادهم، وما دام الواقع الذي يعيشون فيه مخالفاً للنظام الذي يُدعَوْن للمحافظة عليه.
هذه هي التجربة التي عاشت في ظروفها بعض البلاد الإسلامية، واكتوت بنيرانها.
وعظة هذه التجربة تتلخص بوجوب تدارك الأمة الإسلامية في كل بلاد المسلمين بالتطبيق الفعلي لنظام الإسلامي المتعلق بشؤون المال، قبل أن يفلت زمام الأمر في سائر بلاد المسلمين، من الأيدي الحارسة للإسلام المؤمنة به الحريصة على إعلاء كلمة الله في الأرض، لا سيما في هذا العصر الذي نجد فيه الغزو الثقافي القادم من وراء حدود البلاد الإسلامية يكتسح الأجيال الناشئة بسرعة فائقة.
وللتطبيق الفعلي شروطه ومراحله وأسبابه، وعلى المسلمين أن يخططوا لذلك بفكر عميق وبصر نافذ، ثم يباشروا بالتنفيذ دون إهمال ولا تسويف، فإن دولاب الزمن المتسارع بأحداثه لا ينتظرهم.
إن كل الذين يعيشون في المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام،