للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دوافع النفوس الأنانية، أن تكون أنواع تسلط همجي مدنس بالقذارات الفكرية والنفسية والتطبيقية، مهما تفاوتت الصور التطبيقية فيما بينها، في القدرة على إخفاء همجيتها أو عدم القدرة على ذلك.

إنها على اختلاف صورها مظاهر للرغبة النفسية بالعدوان على حقوق الآخرين، ولكن بعض هذه المظاهر ذكي ماكر متمدن، وبعضها بدائي همجي جاهل، وفي باطن كلٍ من المظهرين تقبع نفسية ذئب مجرم نهم إلى الافتراس، إلا أن الخطة التنفيذية في القسم الأول خطة ثعلب والحركة حركة إنسان، أما القسم الثاني فخطته وحركاته وحشية بشعة في صورة جسدٍ إنساني، وبين المرتبتين الذكية المتمدنة والبدائية الهمجية مراتب متعددة، تختلف فيما بينها بحسب قربها أو بعدها عن مظاهر التمدن أو مظاهر الهمجية.

ونضرب مثلاً للعدوان الذكي الماكر المتمدن بالطبيب المجرم الذي طمع بالمال الوفير، فاتفق مع زوجة الرجل الثري على قتله في صورة طبية خفية، لا تنتبه إليها يد العدالة، مقابل عداءٍ مغر تدفعه إليه، إذ هيأ لها فرصة وراثة زوجها الثري، والتخلص منه لتتزوج بآخر تهواه. وأما مثل العدوان الهمجي فيكون بأن تتفق هذه الزوجة مع نفر من متوحشي الغابات على قتل زوجها بالصورة التي اعتادها في صيد الوحوش والحشرات، وهذه الصورة بعيدة طبعاً عن كل مظهر من مظاهر القتل المتمدن.

فالباعث في كلٍ من الصورتين واحد والغاية واحدة ونسبة العدوان والظلم في كل منهما واحدة أيضاً والجريمة في كلٍ منهما هي الجريمة نفسها إلا أن الصورة الأولى قد كانت صورة ذكية ماكرة متمدنة أما الصورة الثانية فقد كانت صورة بدائية همجية متوحشة تنفر منها طبائع المتمدنين.

واختلاف الصورة في فلسفة الجريمة لا يؤدي إلى الحكم بأن إحداهما أخف من الأخرى في نسبة الجريمة، نظراً إلى أن البواعث النفسية، والغاية التي هي الحصول على المال الحرام، والطريق إلى ذلك وهو العدوان بالقتل كلها واحدة، ولم يختلف بين الصورتين إلا شكل القتل فقط، إذ تم أحد الشكلين بالوسيلة التي استطاع أن يتوصل إليها الطبيب المثقف بالثقافة المتمدنة الراقية،

<<  <   >  >>