وقولُه تعالى:{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الأنفال/ ٣٤] يدل على خلاف ذلك.
والجواب من أربعة أوجه:
الأول -وهو اختيار ابن جرير، ونقله عن قتادة والسدي وابن زيد-: أن الأمانَيْن منتفيان، فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج من بين أظهرهم مهاجرًا، واستغفارهم معدومٌ؛ لإصرارهم على الكفر.
فجملة الحال أريد بها أن العذاب لا ينزل بهم في حالة استغفارهم لو استغفروا، ولا في حالة وجود نبيِّهم فيهم؛ لكنه خرج من بين أظهُرهم، ولم يستغفروا؛ لكفرهم.
ومعلومٌ أن الحال قيدٌ لعاملها وصفٌ لصاحبها. فالاستغفار -مثلًا- قيدٌ في نفي العذاب، لكنهم لم يأتوا بالقيد. فتقرير المعنى: وما كان اللَّه معذبهم وهم يستغفرون لو استغفروا.
وبعد انتفاء الأمرين عذبهم بالقتل والأسر يوم بدر، كما يشير إليه قوله تعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}[السجدة/ ٢١].
الوجه الثاني: أن المراد بقوله: {يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)} استغفار المؤمنين المستضعفين بمكة.
وعليه، فالمعنى: أنه بعد خروجه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان استغفار المؤمنين سببًا لرفع العذاب الدنيوي عن الكفار المستعجلين للعذاب بقولهم:{فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} الآية [الأنفال/ ٣٢].