ولكن يَرِدُ على هذا التحقيق ما ذكره بعض العلماء من أن قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ}[الحشر/ ٤] علة منصوصة لقوله: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ} الآية [الحشر/ ٣]، مع أن هذه العلة قد توجد ولا يوجد ما عُذبَ به بنو النضير من جلاء أو تعذيب دنيوي، وهو يؤيد كون النقض تخصيصًا مطلقًا لا قدحًا.
ويجاب عن هذا بأن بعض المحققين من الأصوليين قال: إن التحقيق المذكور محله في العلة المستنبطة دون المنصوصة، وهذه منصوصة، كما قدمنا ذلك في أبيات "مراقي السعود" في قوله:
. . . . . . . . . . . . . ... وليس فيما استُنبطت بضائر
إن جا لِفَقْدِ الشرط أو لما منع ... . . . . . . . . . . . .
هذا ملخص كلام العلماء وحججهم في المسألة.
والذي يظهر رجحانه بالدليل هو الجمع بين الأدلة؛ لأن الجمع واجب إذا أمكن بلا خلاف، كما أشار له في "المراقي" بقوله:
ووجه الجمع بين هذه الأدلة هو عذرهم بالفترة، وامتحانهم يوم القيامة بالأمر باقتحام نار؛ فمن اقتحمها دخل الجنة، وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا، ومن امتنع عُذّبَ بالنار, وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا؛ لأن اللَّه يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل.