اعلم أولًا: أن في قوله تعالى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أربعة أقوال:
الأول -ورواه الشعبي وغيره عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وقتادة وعكرمة وأبو مالك والسدي والضحاك وابن زيد وغيرهم، كما نقله عنهم ابن جلأير وغيره-: أن معنى الآية: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أي: إلا أن تودوني في قرابتي التي بيني وبينكم، فتكفوا عني أذاكم وتمنعوني من أذى الناس، كما تمنعون كل من بينكم وبينه مثل قرابتي منكم.
وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- له في كل بطن من قريش رحم، فهذا الذي سألهم ليس بأجر على التبليغ؛ لأنه مبذول لكل أحد؛ لأن كل أحد يوده أهل قرابته وينتصرون له من أذى الناس، وقد فعل له ذلك أبو طالب، ولم يكن أجرًا على التبليغ؛ لأنه لم يؤمن، وإذا كان لا يسأل أجرًا إلا هذا الذي ليس بأجر، تحقق أنه لا يسأل أجرًا، كقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنَّ فلولٌ من قراع الكتائب
ومثل هذا يسمية البلاغيون: تأكيد المدح بما يشبه الذم.
وهذا القول هو الصحيح في الآية، واختاره ابن جرير. وعليه فلا إشكال.
الثاني: أن معنى الآية: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أي: لا تؤذوا قرابتي وعِتْرتي واحفظوني فيهم.