ويدل لهذا الوجه: أن اجتهاده في الإذن للمتخلفين عن غزوة تبوك أذن اللَّه له فيه حيث قال: {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}[النور/ ٦٢]، فلما أذن للمنافقين عاتبه بقوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (٤٣)} [التوبة/ ٤٣]، فالاجتهاد في الحقيقة إنما هو الإذن قبل التبيُّن، لا في مطلق الإذن، للنص عليه.
ومسألة اجتهاد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعدمه من مسائل الخلاف المشهورة عند علماء الأصول، وسبب اختلافهم هو تعارض هذه الآيات في ظاهر الأمر.
قال مقيده -عفا اللَّه عنه-: الذي يظهر أن التحقيق في هذه المسألة: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ربما فعل بعض المسائل من غير وحي في خصوصه، كإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم، وكأسره لأسارى بدر، وكأمره بترك تأبير النخل، وكقوله:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت. . . " الحديث، إلى غير ذلك.
وأن معنى قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)} لا إشكال فيه؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا ينطق بشيء من أجل الهوى ولا يتكلم بالهوى.
وقولُه تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} يعني أن كل ما يبلغه عن اللَّه فهو وحي من اللَّه لا بهوى ولا بكذب ولا افتراء.