الأول -وهو أحسنها وأقربها-: أن المراد بقوله: {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} تهييج المسلمين وتحريضهم على قتال الكفار، فكأنه يقول لهم: هؤلاء الذين أمرتكم بقتالهم هم خصومكم وأعداؤكم الذين يقاتلونكم. ويدل لهذا المعنى قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}[التوبة/ ٣٦]، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
الوجه الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة/ ٥]، وهذا من جهة النظر ظاهر حسن جدًا.
وإيضاح ذلك: أن من حكمة اللَّه البالغة في التشريع أنه إذا أراد تشريع أمر عظيم على النفوس ربما يشرعه تدريجيًا لتخف صعوبته بالتدريج، فالخمر -مثلًا- لما كان تركها شاقًّا على النفوس التي اعتادتها، ذكر أولًا بعض معائبها بقوله:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِير}[البقرة/ ٢١٩]، ثم بعد ذلك حرمها في وقت دون وقت، كما دل عليه قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية [النساء/ ٤٣]، ثم لما استأنست النفوس بتحريمها في الجملة حرَّمها تحريمًا باتًا بقوله: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)} [المائدة/ ٩٠].
وكذلك الصوم لما كان شاقًّا على النفوس شرعه أولًا على سبيل