إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء/ ٩٢]، فالاستثناء راجع للدية، فهي تسقط بتصدق مستحقها بها، ولا يرجع لتحرير الرقبة قولًا واحدًا؛ لأن تصدق مستحق الدية بها لا يسقط كفارة القتل الخطأ.
ومنها: قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور/ ٤ - ٥]، فالاستثناء لا يرجع لقوله:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}؛ لأن القاذف إذا تاب لا تُسْقِطُ توبتُه حدَّ القذف.
ومنها -أيضًا-: قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء/ ٨٩ - ٩٥]، فالاستثناء في قوله:{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} لا يرجع قولًا واحدًا إلى الجملة الأخيرة التي هي أقرب الجمل إليه، أعني قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩)}؛ إذ لا يجوز اتخاذ ولي ولا نصير من الكفار ولو وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، بل الاستثناء راجع للأخذ والقتل في قوله:{فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ}. والمعنى: فخذوهم بالأسر واقتلوهم، إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فليس لكم أخذهم بأسر ولاقتلهم؛ لأن الميثاق الكائن لمن وصلوا إليهم يمنع من أسرهم وقتلهم، كما اشترطه هلال بن عويمر الأسلمي في صلحه مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن هذه الآية نزلت فيه وفي سراقة بن مالك المدلجي وفي بني جذيمة بن عامر.
وإذا كان الاستثناء ربما لم يرجع لأقرب الجمل إليه في القرآن