للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرته هو الواقع، فإن أحدًا من العقلاء لم نعلمه ادعى أن فساد هذا القول معلوم بالضرورة العقلية -كما يقولونه في قولك، والقول الذي ذكرته عن الكرامية- بل غايتهم أن يدعوا أنه معلوم الفساد بدقيق النظر. ثم كل طائفة يثبتون فساد الطريق التي نفت بها الأخرى ذلك، وهذا يبين أنه ليس عند العقلاء في ذلك دليل يبقى عليه، بل ذكرت أنهم مع هذا الإثبات يقولون: «بأن ذات البارئ لا تماثل الذوات» وهذا حق لا ريب فيه. فما ذكرته هو تقرير لهذا القول ومدح له، وليس فيه ما يكون إلزامًا لك عليهم، ولا ما يقتضي تناقضًا فيه، فإن إثبات موجود ليس مماثلًا لغيره من الموجودات، لا يخالف حسًا ولا عقلًا، وهذا هو الذي تقدم ذكرنا له أن قوله: «لا بد من الاعتراف بوجود موجود على خلاف الحس والخيال» أنه إذا أراد بذلك أنه لا يماثل المحسوسات، فلا فرق في ذلك بين المحسوسات والمعقولات وغيرها؛ فإنه لا يماثل شيئًا من الأشياء المخلوقة بوجه من الوجوه، سواء سميت حسيات أو متخيلات أو عقليات، أو سميت جسمانيات أو روحانيات. فإذن ما تثبته من نفي المماثلة، لا يدل على ما قصدته من إثبات شيء على خلاف حكم الحس والخيال، دون حكم العقل، أو نفي التماثل، لا فرق بين جميع المدركات بجميع أنواع الإدراكات.

<<  <  ج: ص:  >  >>