للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والضرب الثاني منه: هو حمل لفظ وقع في كلام الغير على معنى يحتمله كلامه، وليس هو مراده، وذلك الحمل إنما يكون بذكر متعلق آخر غير المتعلق الذي يقصده المتكلم، أعني بذلك المتعلق شيئًا يناسب المعنى المحمول عليه، سواءٌ كان متعلقًا اصطلاحيًّا كالمفعول والجار والمجرور، أو لا، فالأول كقوله:

قلتُ: ثَقَّلْتُ إذ أتيتُ مرارًا ... قال: ثَقَّلْتَ كاهلي بالأيادي

قلتُ: طَوَّلْتُ قال: لا بل تَطَوَّلْتَ ... وأبرمتُ قال: حبلَ ودادي

والشاهد في قوله: "ثقلَّتُ وأبرمتُ" دون "طوَّلتُ"؛ لأن مراده بقوله: "ثقلت" يعني عليك بأن حملتك المؤنة الثقيلة والمشقة بإتياني مرارًا، فحمله المخاطب على غير مراد المتكلم بأن جعل معناه أن كثرة زيارته له نِعَمٌ منه عليه، ومِنَن أثقل حملها كاهله، وهو ما بين كتفيه. وقوله: "أبرمت" يعني أبرمتك -أي أمللتُك بكثرة ترددي عليك. فحمله المخاطب على غير مراد المتكلم بأن جعل معناه: أبرمت -أي أتقنت وأحكمت- حبل الوداد بيننا بكثرة زيارتك لي.

فأما قوله: "طولت" فليس من القول بالموجب لأن المخاطب صرح بنفيه، حيث قال: "لا بل تطولت" فلم يقل بموجبه بل نفى موجبه صريحًا.

ومن هذا النوع الذي متعلقه اصطلاحي قول القاضي الأرَّجاني:

غالطتني إذ كَسَتْ جسمي الضنا ... كسوةً عَزَتْ من اللحم العظاما

ثم قالت أنت عندي في الهوى ... مثل عيني، صَدَقَتْ لكن سقامًا

<<  <   >  >>