مفردًا مع المجاز في الإسناد، كقولك:"أحيى الربيعُ الأرضَ"؛ فالمسند إليه الربيع وهو مستعمل في معناه الحقيقي، والمسند الإحياء وهو مجازي عن الإنبات، وإسناده إلى الربيع مجاز، لأن المنبت في الحقيقة اللَّه لا الربيع، ومن هذا القسم قول الشاعر:"وسالت بأعناق المطيِّ الأباطح". وقد أوضحنا ذلك.
القسم الرابع: كَوْنُ المسند إليه مجازًا مفردا والمسند حقيقة لغوية والإسناد مجازي، كقول المؤمن الموحد:"أنبت البقلَ شبابُ الزمان"؛ فالمسند إليه "شباب الزمان" وهو مجاز عن الربيع، والمسند "إنبات البقل" وهو حقيقة، وإسناد الإنبات إلى الربيع المعبر عنه بشباب الزمان مجازٌ عمليٌّ. وهذا واضح مما قدمنا.
واعلم أنا قدَّمنا في حدِّ المجاز العقلي أنه لا بدَّ فيه من قرينة مانعة عن إرادة الحقيقة في الإسناد، وأن تلك القرينة تنقسم إلى لفظية ومعنوية، فمثال القرينة اللفظية على قصد المجاز قول أبي النجم:
* أفناه قِيْلُ اللهِ للشمسِ اطلعي *
بعد قوله:
مَيَّزَ عنه قَنْزَعًا عن قنزَعِ ... جَذْبُ الليالي أبطئي أو أسرعي
فإن إسناده الإفناء إلى "قيل اللَّه للشمس اطلعي" قرينة لفظية على أن إسناده تمييز قنزع من شعر رأسه عن قنزع إلى "جذب الليالي" مجاز. وأنه يعلم أن من جعل شعر رأسه قنازع متفرقة متميزًا بعضها عن بعض هو اللَّه تعالى، لا جذب الليالي.