الماء، فاستعاره له، وأسند ذلك الفعل الذي هو السيلان إلى مكانه وهو الأباطح جمع أبطح، وهو المكان المتسع الذي فيه دقاق الحصى، والأصل إسناد السيلان المستعار للسير إلى فاعل السير حقيقة، ولكنه أسند إلى مكان السير مجازًا عقليًّا.
والمجاز العقلي باعتبار انقسام طرفيه -أعني المسند إليه والمسند- إلى حقيقة ومجاز ينقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: كون الطرفين حقيقتين، والمجاز إنما هو في نفس الإسناد، كقول المؤمن الموحد:"أنبت الربيع البقل"، فالربيع وإنبات البقل مستعملان في معناهما الحقيقي، فهما حقيقتان، والمجاز إنما هو في إسناد الإنبات إلى الربيع؛ لأن المنبت في الحقيقة هو اللَّه، فأسند الإنبات لغير من هو له وهو الربيع للملابسة بين الفعل الذي هو الإنبات وسببه الذي هو الربيع.
القسم الثاني من الأقسام الأربعة المذكورة: كونهما مجازين والإسناد أيضًا مجازي، كقولك:"أحيى الأرضَ شبابُ الزمان"، فالمسند إليه "شباب الزمان" وهو مستعار للربيع مجازًا مفردًا على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، والمسند الإحياء، وهو مستعار للإنبات مجازًا مفردًا على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، وإسناد الإحياء المستعار للإنبات إلى "شباب الزمان" المستعار للربيع مجاز عقلى؛ لأن محيي الأرض بالإنبات هو اللَّه تعالى، والربيع سبب، فأسند الفعل إلى سببه مجازًا عمليًّا مع أن الطرفين مجازان مفردان.
القسم الثالث: كون المسند إليه حقيقة لغوية، والمسند مجازًا