ومحل تحرير هذه المباحث أصول الفقه، وإنما ذكرنا منه البعض استطرادًا.
فإذا حققت بما قد قدمنا حدَّ المجاز المفرد، فاعلم أنه ينقسم إلى قسمين: وهما المجاز المرسل، والاستعارة.
وبرهان الحصر فيهما أن المجاز لابد له من علاقة، وهي لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون المشابهة، وإما أن تكون غيرها، فإن كانت علاقته المشابهة، فهو الاستعارة، وإن كانت علاقته غير المشابهة فهو المجاز المرسل، فالاستعارة مجاز علاقته المشابهة، والمرسل مجاز علاقته غير المشابهة.
واعلم أن "العلاقة" بالفتح أوضح في المعاني، وبالكسر أفصح في الآلات.
ولما كانت أنواع الاستعارة مطلوبًا في السؤال بيانها مع أنواع المجاز، وهي قسم من أقسام المجاز، بدأنا بذكر بيان المجاز المرسل من قسمي المجاز المفرد، وأخرنا القسم الآخر الذي هو الاستعارة لتتم أقسام المجاز أولًا، ثم نتكلم على أقسام الاستعارة.
اعلم أنا ذكرنا أن المجاز المفرد إذا كانت علاقته غير المشابهة فهو المجاز المرسل، وسنذكر أمثلة من علاقة المجاز المرسل:
فمنها: السببية، أي تسمية الشيء باسم سببه مجازًا مرسلا، علاقته كونه سببه، كقولهم:"رعينا الغيث" أي النبات، فأطلق الغيث وأريد النبات؛ لأنه سببه مجازًا مرسلًا علاقته السببية.