للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك "الصلاة" فإنها في اللغة مطلق الدعاء، وفي اصطلاح الشرع العبادة المعروفة المركبة من نييةٍ وأفعالٍ وأقوال، فاستعمال الصلاة في مطلق الدعاء حقيقةٌ لغويةٌ ومجازٌ شرعي، واستعمالها في خصوص العبادة المعروفة حقيقةٌ شرعية ومجازٌ لغوي، وذلك هو معنى قوله في مراقي السعود: "وباعتبارين يجي الجواز" كما تقدم.

واعلم أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة الشرعية واللغوية حمل على الشرعية على التحقيق؛ لأن المقاصد الشرعية مقدمة على اللغوية، فمن حَلَف ليصومنَّ لا يَبَرُّ بإمساكه عن الكلام مثلًا، ومن حلف ليصلينَّ لا يَبَرُّ بدعاء؛ لأن المقصد الشرعي مقدم على غيره، ثم بعد الشرعي العرفي، ثم اللغوي، كما بينه في "مراقي السعود" بقوله:

واللفظ محمول على الشرعي ... إن لم يكن فمطلق العرفي

فاللغوي على الجلي ولم يجب ... بحث عن المجاز في الذي انتخب

وخالف أبو حنيفة في تقديم العرفي على اللغوي، وجنح ابن السبكي في "جمع الجوامع" إلى أن ما تعارض فيه المجاز اللغوي الراجح بالعرف، والحقيقة اللغوية الراجحة بأصل الوضع أنه يكون مجملًا، فلا يحمل على أحد الأمرين إلا بنيةٍ أو قرينة، وإلى هذا أشار في "مراقي السعود" بقوله:

وحيثما قصد المجاز قد غلب ... تعيينه لدى القرافي منتخب

ومذهب النعمان عكس مامضى ... والقول بالإجمال فيه مرتضى

وقوله: "مرتضى" يعني عند ابن السبكي في "جمع الجوامع".

<<  <   >  >>