لذكروا الألفاظ الدالة على نفس الذوات مفرزة عما يقوم بها من الصفات التي هي المصادر، بأن يقولوا في "قائم": ذات لها قيام. وفي "ناطق": ذات لها نطق. مثلًا. فلما اشتقوا الأوصاف المشتملة على المصادر والذوات وأبهموا الذوات، والحال أن المصادر معينة، دلَّ على أن المقصود في أصل الاستعارة المصادر، فجرت فيها بالأصل، وفي الأسماء المشتقة منها بالتبع.
وأيضًا، فإن قوله:"ناطقة" مشتق من النطق، والمشتق لا يعقل إلا بعد تعقل المشتق منه. فلفظ "ناطقة" لا يفهم معناه إذًا إلا بعد تعقل معنى النطق، فهو تابع له في المفهومية، فكون الاستعارة فيه تبعية إذًا ظاهر، واللَّه تعالى أعلم.
ومعنى كون الاستعارة تبعية حالة جريانها في متعلق معنى الحرف هو ما ستراه إن شاء اللَّه.
اعلم أولًا أن المراد بمتعلق معنى الحرف هو ما يعبر به عنه عند تفسيره مثل قولنا:"مِنْ" معناها ابتداء الغاية نحو: سرت من البصرة إلى الكوفة، و"في" معناها الظرفية نحو: زيد في الدار، و"كي" معناها العلة والغرض نحو: جئتك كي تكرمني. وهكذا.
فهذه متعلقات معاني الحروف لا نفس معانيها، وإلا لكانت أسماء؛ لأن الكلمة إذا كان معناها مستقلًا بالمفهومية ملحوظًا لذاته ولم يكن رابطة بين أمرين، فإن اقترن بأحد الأزمنة الثلاثة فتلك الكلمة فعل، وإن لم يقترن بواحد منها فتلك الكلمة اسم مثل مطلق ابتداء، ومطلق ظرفية غرض، وإن كان المعنى غير مستقل بالمفهومية ملحوظًا