تبعًا لكونه رابطة بين أمرين كانت الكلمة الدالة على ذلك المعنى حرفًا، وذلك كابتداء السير من البصرة، وظرفية الماء في الكوز مثلًا، فإذا أفادت هذه الحروف المعاني الخاصة -كخصوص ابتداء السير من البصرة- استلزمت هذه المعاني العامة، كمطلق الابتداء اللازم لخصوص ابتداء السير من البصرة ضرورةً، لأن العام لازم للخاص عقلًا ضرورةً، إذ العام في الاصطلاح جزءٌ من ماهية الخاص، لأن العام قدر مشترك بين أفراده، وأفراده تتمايز فيما بينها بفصولها وخواصها، فالحيوان مثلًا جزءٌ من ماهية الإنسان والفرس مثلًا، لازمٌ لكل منهما، وجزء الإنسان الآخر الناطق، وجزء الفرس الآخر الصاهل، والحيوان قدر مشترك بينهما، فالماهية عندهم مركبة من جنسها الذي هو جزؤها الأعم منها ماصدقًا، ومن فصلها الذي هو جزؤها المساويها ماصدقًا، فالأعم لازم للأخص على كل حال ضرورة بلا عكس.
فإذا حققت ذلك فسنبين لك علة الاستعارة التبعية في متعلق معنى الحروف بمثالها، وذلك عندهم كما في قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[القصص/ ٨]، فإن آل فرعون التقطوا موسى لينفعهم ويكون لهم قرة عين، كما جاء في القرآن عن امرأة فرعون أنها قالت:{قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}[القصص/ ٩]، ولم يلتقطوه لإرادتهم أن يكون لهم عدوًا وحزنًا، ولكن شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب علته الغائية عليه، وعلة الشيء الغائية هي التي تحمل على تحصيله لتحصل بعده، وذلك كالانتفاع بموسى وقرة العين به واتخاذه ولدًا، فالتشبيه وقع بيت